البطالة والبطالة المقنّعة

كتب أحمد الشطري: لعلَّ من بين أكثر المشكلات التي تواجه الدولة والمجتمع هو ظاهرة البطالة والبطالة المقنّعة، وهو الأمر الذي يشكل معضلة تبدو عصيَّة في ظل غياب التخطيط العلمي والنوايا الحقيقة والفاعلة في الخلاص من هذه الآفة الفتاكة، التي تنطوي على العديد من المشكلات والآثار السلبية على اقتصاد الدولة والمجتمع بمختلف بنياته الاجتماعيَّة والأخلاقيَّة.

 

فعلى صعيد البطالة المقنّعة هناك استنزاف كبير للموارد المالية للدولة، من دون أن يقابل ذلك مردود خدمي حقيقي أو مردود انتاجي، إذ نجد أن الدوائر الحكومية بمختلف أنواعها تعجُّ بالموظفين بما يفوق حاجتها الفعلية، والذي يأتي نتيجة ضغوط مشروعية المطالب الشعبية، التي تبحث عن العيش وفق استحقاقها الإنساني والوطني والعلمي في ظل غياب الحلول الرصينة التي توفر لها الأسباب الحقيقية لثنائية (العطاء مقابل الأجر)، فما كان أمام الدولة سوى اللجوء إلى الحلول الترقيعية، التي تستنزف اقتصاديات الدولة دون الحصول على المقابل المشروع.

أما على صعيد البطالة الحقيقية فيكفي أن نعرف أن أكثر من خمسة ملايين شخص (وفقاً لتصريحات وزارة العمل) يستلمون رواتب الرعاية الاجتماعيَّة، ومعظم هؤلاء هم من العاطلين عن العمل فعلياً أو العاملين في القطاع الخاص المغيب عن الرصد الميداني.

ولعل من أهم أسباب البطالة المقنّعة والبطالة الحقيقية هو قلّة المشاريع الإنتاجية الحكومية والخاصة والاعتماد الكبير على الاستيراد؛ لتغطية حاجة السوق المحلية لمختلف السلع، مع الإصرار غير المبرر على عدم خلق منافسة حقيقية تفتح المجال، لتوفير منتج محلي يسهم في سد حاجة المستهلك، ويوفر فرص عمل تسهم في التخفيف من كم البطالة المتزايد، كما يحد من هروب العملة الصعبة خارج البلد.

إن غياب التخطيط العلمي الذي يرصد ويحلل حاجة المجتمع، إضافة إلى غياب الفعل الذي يسعى إلى توفير فرص حقيقية للعمل، هو السبب الرئيس في خلق جيوش البطالة والبطالة المقنّعة، إن نهوض المجتمع وتطوره ليس بكثرة الجامعات والمعاهد، التي يتخرج منها مئات الآلاف من الشباب المسلح بالطاقة الفعّالة والحيوية والسند العلمي، بل هو في إيجاد السبل الكفيلة باستغلال تلك الطاقات الشبابية المتعلّمة، من خلال فتح الآفاق التي تتيح لهم العمل على إطلاق طاقاتهم الحيويَّة والعلميَّة في الإنتاج، الذي يوفر لهم ولبلدهم اقتصاداً بشريّاً وماديّاً يسهم في بناء مستقبل زاهر لهم ولأبنائهم.

وإذا كان المثل الصيني المشهور الذي يقول: (لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف اصطاد)، ينطوي على أسس منهجية للاقتصاد الناجح والعلمي، فإن تعليم اصطياد السمكة لن يجدي نفعاً، إذا لم يكن هناك نهرٌ أو بحرٌ يُمَكِّن ذلك الصياد من صيد السمك، فمن البديهيات أن يتم توفير البيئة التي تسمح لذلك الصياد بممارسة ما تعلمه.

وللأسف الشديد فإن حكوماتنا سعت في معظم خططها على توفير ركنين هما: تعليم الصيد وإعطاء السمكة (في أحسن الأحوال)، ولكنها أهملت الجانب المهم وهو توفير النهر، الذي يجعل من ذلك المتعلم للصيد أن يصطاد السمكة بنفسه، دون أن يزاحم الآخرين على لقمة عيشهم.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى