أخر الأخبار

التعداد السكاني

كتب د. حميد طارش: عملية التعداد السكاني ليست عملية روتينية لغرض حساب عدد السكان، وإنما هي آلية فاعلة تصُب في خدمة الخطط التنموية، إذ توفر معلومات كافية عن أفراد المجتمع، وتوزيعهم الجغرافي وظروفهم الاقتصادية والاجتماعية، مما يستفاد منها في تلك الخطط، في مجال التعليم والصحة وسوق العمل والتخطيط العمراني، وتقديم الخدمات للمجتمع.

 

وكذلك المجال السياسي، من حيث تحديد سكان محافظة ما، لمعرفة استحقاقها لمقاعد تمثيلها في مجلس النواب، ويكون ذلك أيضاً في ما يخص استحقاق أقضيتها في مجالس المحافظات، فضلاً عن التخصيصات المالية للمحافظات، وما تحتاجه من دعم مالي بسبب واقعها الاقتصادي والخدماتي، ولا يكاد يوجد مجال آخر بمعزل عن التأثير الإيجابي للتعداد السكاني، ولا يقتصر ذلك على الأجيال الحالية، بل يمتد أثره للأجيال المستقبلية، أي تحقيق التنمية المستدامة، لذلك تتلقى تلك العملية اهتمام الحكومات والدعم الدولي المتمثل بمنظمة الأمم المتحدة للسكان، كما يستفيد من ذلك القطاع الخاص والأفراد في تخطيطهم الاستثماري، ورسم مسار الرؤية الاقتصادية، وحجم الأعمال وتحديد المناطق الجاذبة لها.

على الرغم من أهمية التعداد السكاني التي تُحدد المعايير الدولية إجراءها مرة واحدة كل (10) سنوات على الأقل، إلا أنها لم تجر في العراق منذ عام (1997) ولم تشمل إقليم كردستان في وقتها، كما أن التعداد ما قبل عام (1977) كانت تقوم به وزارة الداخلية، أي وزارة أمنية ليس من اختصاصها التخطيط والتنمية، كما حالت ظروف الإرهاب وعدم الاستقرار الأمني بعد عام (2003) دون إجرائها، وختمت تلك الظروف بجائحة “كورونا” التي منعت إجراءها في العام (2020)، حيث كان مقرراً لها.

ولا يكون نجاح تلك العملية التي ستُجرى في العراق، بعد انتظار طويل، على عاتق وزارة التخطيط واللجنة العليا لإجراء التعداد السكاني والجهاز المركزي للإحصاء، وإنما يتطلب دعم الحكومة والمجتمع والأفراد، والدعم الفني من منظمة الأمم المتحدة للسكان، ومراعاة التقيد بالمعايير الدولية، ومن أهمها، إجراء التعداد بما يكفل حماية بيانات الأشخاص وضمان سرّيتها، وكسب ثقتهم بالأدلاء بمعلوماتهم دون تردد أو خوف.

وتواجه عملية التعداد السكاني عدة تحديات، ومنها، مدى كفاية التخصيص المالي لها، وحياديتها عن الاعتبارات السياسية الضيقة، وتوافر الكفاءة الفنية لإجرائها، والسؤال الأهم هنا، عن تعداد سكنة العشوائيات التي تفتقر مناطقها إلى الخرائط التنظيمية، وهل وضعت خطة فنية بشأن ذلك؟ وكذلك الأمر ينطبق، إلى حدٍ ما، على مخيمات النازحين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى