تشويش عولمي
كتب زهير الجبوري: لم تكن وسائل الاتصال في راهن حياتنا المعاصرة سوى قلق اتصالي غيّر الكثير من تلقينا للأشياء التي اعتدنا عليها سابقاً، ولم تكن تقانات الميديا وعالمها المتواصل في التحديثات البرامجية سوى لعبٍ في إثارة المعلومات، مهما كانت صغيرة أو كبيرة أو مهمة أو تافهة.
وهذا ما نلمسه ونندهش فيه ونتأثر بما يطرح من معلومات إعلامية صادمة منها مثلاً (في توقيت معين ستكون هناك نوبات فيروسية ستصل عبر وسائل النت، تؤثر في خلايا الدماغ والجسم.. ومنها أيضاً ستعود أيام كورونا خلال الأيام القادمة)، ما أثارني أن أغلب من يتابع ويقضي الوقت مع عالم (النت) يصدق بهكذا معلومات.
فالعالم أصبح لعبة (ميديوية) في نشر المعلومات الصحيحة والكاذبة، في الوقت ذاته كنت أقرأ بكتاب (انثروبولوجيا التواصل/ لـ(إيف وينكن) ت: خالد عمراني)، يتحدث في عتباته الأولى عن المرحلة المبكرة، التي كانت في وسائل الاتصال تؤثر على المجتمع، ولم يكن بين المرسل الذي يحمل مصادر معلوماتية معينة وبين الآخر المرسل إليه سوى بؤرة سميت بـ(التشويش)، وهنا تصبح المعلومة لعبة مصطنعة مهما كانت أبعادها الحقيقية أو شبه ذلك..
النظام العولمي، نظام اقتصادي بحت بالدرجة الأساس، وهو بذلك يروّج لكل حالة تثير الناس في أي مكان في العالم، لذا كانت لعبة الترويج هذه قد أخذت أبعادها الواسعة في الدهشة التي أربكت العالم بأجمعه، والرابح في ذلك أصحاب المشاريع الاقتصادية في وسائل الاتصال، ولم تكن لعبة كرة القدم سوى ورقة عولمية صيغت اقتصادياً، فالمتعة في متابعتها تحولت إلى استثمار عبر برامجيات مدفوعة الثمن، ولم يكن نجومها ـ أي لعبة كرة القدم ـ سوى محطات إعلامية ذرفت الكثير من الأموال.
إنها عولمة الزمن الذي لا يؤثر فيه أي فكر أو انتساب أيديولوجي وعِرْقي معين، حتى سياسات أغلب البلدان الريعية، حين مسكت هذا الأمر وجعلت من هذه اللعبة مشروعاً للظهور البارز في العالم كدولة قطر واستضافتها مونديال 2022 الأخير، ولعلني أجزم في ذلك حين تبعتها دولة السعودية في استقطابها بعض نجوم العالم في اللعبة، كل ذلك يجعل منّا الوقوف عند عتبة السؤال الاستفهامي (متى تستقر هذه الموجة العولمية لتعود الشعوب إلى هويتها الخاصة؟).
الموجات المؤثرة في الشعوب سريعة جداً، والعالم يسير باتجاه انفعالي كبير، إذ من الممكن إثارة أي فئة شبابية في مجتمع ما عبر وسائل الاتصال، ومهما كان الخطاب تعبويًّا، فإنه يستنهض عقول الشباب المنفعل، من خلال طرح الرغبات والمطالبات غير المتوفرة، إضافة إلى عدم السيطرة عليهم، لأنك لا تستطيع تقييد رغباتهم، وهذا ما حصل في بلدنا (العراق)، حين نضج الجيل الشبابي ما بين الـ(18 ـ 20) عاماً وقد تربى في عالم (ميدوي)، هذا الجيل يستطيع أن يتصل بكل مكان في العالم بحيوية ورغبة جامحة، لم تحدده قرارات الرقيب الذي عشنا أيامه في العقود الماضية، لذا التشويش العولمي لامس حياتنا وأثّر بشكلٍ كبير.