فاجعة الموصل
كتب د. حميد طارش: لم يكن حريق قاعة الأعراس في الموصل هو الأول من نوعه، وإنما هو حلقة أخرى من مسلسلٍ دامٍ يحوّل أفراحنا إلى مآتم، فإذا بالفساد والإهمال يجعلان المحتفلين محرقةً تتفحم بها أجسادهم البريئة ويصبحوا وقوداً لها، قبل أن تُزف العروس إلى عريسها، فتحل الدموع بدل الفرح والصراخ بدل الموسيقى، يحدث ذلك في وطني دائماً، إذ لا محل للفرح، بل وكأنه جريمة يعاقبنا عليها الفساد!.
فبالأمس عبّارة الموصل، التي لم تعبّر بركابها المبتهجين، وحرائق قتلت الأطفال الخدج، الذين تنتظرهم أمهاتهم بجوار مُهودهم التي لم يناموا فيها…ولم يكن مرضى وباء كورونا بأفضل منهم عندما لاذوا بمستشفى الخطيب، لينقذهم فإذا به يزهق أرواحهم، ليكون أكثر قسوة من وباء كورونا.
بل وحتى حريق مجمع الليث في بغداد كان الإهمال أشد وطأة على الضحايا من الإرهاب، عندما فرّوا مذعورين للبحث عن مخارج وأبواب ووسائل سلامة، فلم يجدوها فقتلهم الإهمال أكثر مما لو كان فعل الإرهاب وحيداً… يقولون عدم تطبيق شروط السلامة والالتزام بقانون الدفاع المدني، وكأنه هذه المشكلة وليس ذلك من البديهيات، وإن واجب الأجهزة المختصة منع حدوثها.
قلنا وكتبنا وصرخنا بأن الفساد لم يكتف بسرقة أموالنا، وإنما بات يغتال حياتنا فيمنع الرقابة والتدقيق والمساءلة وتطبيق قانون الدفاع المدني وإجراءات أجهزة البلدية. فجاءنا الجواب بسقوط العمارات الحديثة دون حريق. وحرائق مستمرة لم ولن تكون قاعة الأعراس آخرها، وأن تمنينا ودعونا لذلك طالما الفساد سيد الموقف…
الغالبية العظمى من الأبنية الخاصة بالترفية والتبضع والسياحة، وحتى الحكومية وما يتداول عن بعض الاستثمار السكني، تغيب عنها شروط السلامة وتطبيق القوانين والإجراءات الضامنة لتفادي الخسائر عند الحرائق وغيرها.. الرقابة التي تسمح بدخول الألعاب النارية غير الآمنة، التي تحرق الناس في احتفالات رأس السنة، هي سبب آخر في حريق قاعة الأعراس، ومواد التغليف سريعة الاشتعال، التي سمحت الرقابة باستيرادها واستعمالها زادت من حجم الحريق وسعيره. وهذا ليس مستغرباً فطالما صرحت الأجهزة المسؤولة عن دخول مواد غذائية غير قابلة للاستهلاك البشري. وما خفي أعظم.