هل كان فرسان الهيكل أحفاد ’الحكماء اليهود’!
وصل فرسان الهيكل أو فرسان المعبد إلى أراضي المشرق الإسلامي بداية القرن الحادي عشر مع الحملات الصليبية التي شنّتها أوروبا بدعوةٍ من البابا باسم السيطرة على “الأراضي المقدّسة” وتحريرها من المسلمين “الكفار”.
لكنّ سياقاً آخر كان وراء دعوة البابا أوربان الثاني للحملات الصليبية عام 1096، فقد كان هناك سياق اقتصادي وراء هذه الغزوات المتتالية على العالم الإسلامي.
برزت خلال هذه الحروب قوّات نخبة عسكرية أوروبية-صليبية أطلقت على نفسها “فرسان الهيكل” أو “فرسان المعبد”، كان تأسيسهم مثيراً ونهايتهم أكثر إثارة ودرامية، لكن هل كان هؤلاء الفرسان أحفاداً حقاً للـ”حكماء اليهود” الذين هربوا من البطش الروماني بحدود عام 70 ميلادياً؟
فرسان الهيكل.. قوّات النخبة، ولاؤها فقط للبابا
ارتبط اسم فرسان الهيكل دائماً بالحملات الصليبية، فقد أنشئ التنظيم بسبب تلك الحملات، ومع انتهائها وفشلها على يد قادة مسلمين من أمثال صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس والمنصور قلاوون، أصبحت بلا حاجة.
تأسس التنظيم بعد مرور 20 عاماً على الحملة الصليبية الأولى التي انطلقت عام 1096. وبعد السيطرة على مناطق من الشام والأناضول، أنشئت جمعية خيرية اسمها “الاسبتارية” التي أنشأت مستشفى القديس جون لعلاج فقراء الحجاج الأوروبيين الوافدين على مدينة القدس.
تطوّرت الأمور عندما بدأ المسلمون عمليات الاسترداد للمناطق التي سلبتها منهم الحملات الصليبية، وهنا بدأ تحوّل جمعية الاسبتارية الخيرية إلى العمل العسكري ليرافقوا الحجاج الأوروبيين ليحموهم من هجمات المسلمين المتتالية.
بعد عشر سنوات فقط من تأسيس تنظيم فرسان الهيكل اعترف بهم البابا هونوريوس الثاني عام 1129، وبهذا الاعتراف أخذ التنظيم امتيازات كثيرة، مثل: إعفاء أعضاء التنظيم من الخضوع للقانون المحلي، وحق اجتياز الحدود الأوروبية بحرية تامة، كما تم اعفاؤهم من الضرائب. كلّ هذا كان ثمنه بسيطاً: الولاء التام للبابا، وعدم الزواج، وتوجيه مجهوداتهم الحربية فقط لقتال المسلمين.
انتهت قصّة فرسان الهيكل بعد فشل الحملات الصليبية. فقد استغل التنظيم وضعه الاستثنائي وأصبح عبارة عن بنكٍ ضخم يُقرض ملوك أوروبا، ما جعل ملك فرنسا فيليب الرابع يتخلص منهم في النهاية ليتخلّص من نفوذهم عليه.
احتجزت قوات فيليب الرابع فرسان الهيكل في المناطق التي تقع تحت حكمه عام 1307، ووجهت لهم اتهامات تتعلق بالهرطقة والفجوز وعبادة الأوثان وإنكار المسيح. وقد شنّ البابا هذه الحرب ضدهم وبارك اعتقالهم، فلم يعد الفرسان مفيدين له. وقد حلّ البابا التنظيم السري عام 1312.
فما علاقة كل هذا باليهود إذًا؟
وفقاً لمؤرخي فرسان الهيكل المعاصرين، تيم والاس-مورفي وكريستوفر نايت، فإنّ الفرسان الذين تجمعوا معاً لتشكيل فرسان الهيكل كانوا جزءاً من نسلٍ ملكيٍّ أوروبي منحدرين من نسل ما أطلق عليهم “حكماء اليهود” الذين فروا من فلسطين حوالي عام 70 ميلادياً بعد الغزو الروماني.
وهكذا، وفقاً لهذا المنظور التاريخي فقد وصل فرسان الهيكل إلى الأرض المقدسة في مهمةٍ لاستعادة بعض الكنوز التي كانوا يعتقدون أنها حق لهم من أجدادهم.
وفقاً لهذه السردية فقد خبأ هؤلاء الحكماء قبل مغادرة موطنهم كنوز معابدهم ووثائق نفيسة في مناطق استراتيجية داخل فلسطين، حتى لا يتمكَّن الإمبراطور الروماني تيتوس من نهبها ضمن غنائم الحرب.
ثم هاجر هؤلاء “الحكماء” إلى أوروبا. وهناك، تزوج الكثيرون منهم من العائلات الأوروبية النبيلة. ومن بين هؤلاء الحكماء، أصبح 24 فرداً منهم بطاركة لإحدى مجموعات العائلات الأوروبية المعروفة بلقب عائلات “الملك الإلهي”.
وهكذا، أصبح سر مواقع تلك الكنوز ينتقل عبر عائلات الحكماء لمئات السنين، حتى جاءت الحملة الصليبية الأولى، عندما انضم فرسان من عائلة “الملك الإلهي” إلى المحاربين المتجهين شرقاً لهدفين: هزيمة المسلمين، واستعادة كنوز العائلة. للقراءة أكثر حول الحملة الصليبية الأولى من هنا.
وفقاً للمؤرخين السابق ذكرهم فقد ولد فرسان الهيكل التسعة الأصليّون إما داخل عائلات “الملك الإلهي” أو مرتبطين بها بشكل ما، مثل جودفري حاكم بولون، الجنرال الفرنسي وأحد أبرز قادة الحملة الصليبية الأولى. وكذلك ابن عمه، الملك بلدوين الثاني ملك القدس، الذي ساعد فرسان الهيكل في استعادة كنوزهم المزعومة من خلال التنازل عن المسجد الأقصى ليصبح تحت تصرفهم.
كنوز “فرسان الهيكل” إلى أوروبا؟
اكتشفت لاحقاً مجموعة من المهندسين الملكيين البريطانيين في القرن التاسع عشر آثار أعمال التنقيب التي قام بها فرسان الهيكل، وهي الآن في حوزة عائلة أمين محفوظات فرسان الهيكل الراحل، روبرت برايدون، في اسكتلندا.
ومن الواضح أنّ “حكماء اليهود” أخفوا الكثير من كنوزهم تحت المصلّى المرواني أو ما يسمّونه “إسطبلات سليمان”، لأنه كان أكثر مكان قام فيه فرسان المعبد بأعمال التنقيب. وبعد تسع سنوات من الحفر، كان فرسان الهيكل التسعة الأصليون قد جمعوا من الكنوز والوثائق ما يكفي لملء أربعة صناديق كبيرة.
عندما مات الملك بالدوين الثاني، ملك مملكة القدس الصليبية، أخذ الفرسان صناديقهم الأربعة إلى أوروبا، وتوقفوا لفترةٍ وجيزة في سان أومير في الإقليم الفلامندي من أجل نسخ إحدى الوثائق وإيداعها لدى الكنسيّ لامبرت في سان أومير. وهي النسخة الوحيدة من بين كل وثائق فرسان المعبد، ويُطلق عليها “القدس السماوية”، ومخزنة الآن في مكتبة جامعة غنت في بلجيكا.
وبعد احتفال خاص مع البابا هونوريوس الثالث في مجمّع تروا عام 1128 حمل اثنان من الفرسان، وهما هيوغز دي بانز وأندريه دي مونبارد، صناديق الكنوز الأربعة إلى كلويننغ في اسكتلندا.
ظلت الصناديق هناك لسنواتٍ عديدة قبل نقلها أخيراً إلى قلعة سنكلير، بالقرب من أدنبرة، عاصمة اسكتلندا.
كان سكان قلعة سنكلير من عائلات “الملك الإلهي” الذين أصبح مصيرهم، وفقاً لإحدى الأساطير، مرتبطاً إلى الأبد بفرسان الهيكل عندما تزوّجت جدتهم كاثرين سانت كلير من الفارس هيوغز دي بانز.
وبسبب تلك الرابطة بين عشيرة سنكلير وفرسان المعبد، انتهى المطاف بالكثير من “كنوز الفرسان”، بما في ذلك الثروات التي هبطوا بها إلى اسكتلندا بعد هروبهم من فرنسا عام 1307، في خزائن عشيرة سنكلير باسكتلندا.
احتفظت عائلة سنكلير بالصناديق الأربعة لكنوز الهيكل في قلعتهم بأمان حتى اندلعت بها النيران واضطروا إلى إخراجها من الحطام المحترق.
ومؤخراً، أصبح هناك تأكيد على نجاة الصناديق الأربعة في كنيسة القلعة من خلال عمليات المسح الأرضي التي جرت في الكنيسة على مدار السنوات العشرين الأخيرة، والتي كشفت عن وجود قبو سرداب يحتوي على أربعة صناديق كبيرة. يقع هذا القبو تحت حجر الزاوية مباشرة وداخل الجزء الأكثر حماية في الكنيسة.
أسطورة كنوز فرسان الهيكل
عندما قضى فيليب الرابع على معبد فرسان الهيكل في باريس لم يعثر جنوده على أية كنوز أو ذهب كما كان يتوقّع، وظلّ البحث عن “كنوز فرسان الهيكل” دائراً طوال كل تلك القرون. حتّى إنّ الرئيس الفرنسي شارل ديغول أمر علماء الآثار بإجراء تنقيب واسع في منطقة جيزور في فرنسا. لكن العلماء الفرنسيين أعلنوا أنّه من غير الممكن وجود أي غرف تحت الأرض تحتوي على أي كنوز ورفضوا إكمال العملية.
لكنّ ديغول كان مصمماً، فأصر على الاستمرار في الحفر والبحث واستعان بقوات الشرطة والكتيبة الخامسة في الجيش الفرنسي (المهندسين)، وأغلقت القلعة التي يبحثون تحتها لمدة شهر، لكنّهم لم يجدوا شيئاً أيضاً.
ويبدو أن الرئيس ديغول ووزيره مالروا أصيبا بهوس البحث عن هذا الكنز، حيث إنه أصر على الاستمرار في البحث والحفر، ليقرر الاستعانة بقوات من الشرطة والكتيبة الخامسة (مهندسين) التابعة للجيش الفرنسي، وأغلق الجيش القلعة لمدة شهر نقَّب خلاله، إلا أن العملية انتهت بدون أي نتيجة.
المصدر: عربي بوست