أطفالها الكبار

كتب عبد الهادي مهودر: قبل حرب غزة كان العالم يتحدث عن انتهاك حقوق الطفل وتجنيد الأطفال في الصراعات، وصدعوا رؤوسنا باتفاقية حقوق الطفل وحماية المدنيين، وبعد حرب غزة غابت هذه العبارات والمواقف وغيّبت تماماً، ولم نعد نسمع إلا همساً أمام بشاعة القتل الجماعي للأطفال ومشاهد انتشال الجثث من تحت سقوف المنازل المهدومة على رؤوس ساكنيها المدنيين.

 

ومحيت عوائل كاملة من السجلات المدنية، من دون أن ينبس الكثير من المدافعين عن حقوق الطفل والإنسان ببنت شفة، بل أن بعض الأصوات تجاوزت تجاهل المجازر والرأي العام إلى الاستخفاف بها، وتطوّعوا بمرافعات خاسرة لاتصمد أمام حجم الكارثة والدمار، وأعداد الضحايا المدنيين.

والفارق بين قتل الأطفال عن طريق الخطأ وقتلهم عمداً هو الذي بميّز حرب غزة عن كل الحروب التي سبقتها، بما فيها الحرب العالمية الثانية التي خسرت فيها البشرية أكثر من ستين مليون إنسان ونسبة كبيرة من المدنيين خارج العمليات العسكرية، أي نتيجة جرائم الإبادة والتطهير العرقي والجوع والأمراض والنزوح.

أما أطفال غزة فقتلوا بالطائرات والقصف المدفعي العشوائي، وتجاوز عددهم الأربعة آلاف طفلاً في الشهر الأول فقط، ولم يحرّك هذا الرقم الهائل ضمير العالم، وفقدت الدول الغربية الداعمة والمؤثرة في الصراع الإحساس بالدرجة التي بلغتها الأزمة الأخلاقية، ولم تتحرك لوقف المجزرة التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنها (مقبرة الأطفال)، بل أن أسوأ موقف بعد كل هذه المجازر هو القول بأن وقف إطلاق النار ليس وقته الآن.

والموضوع لايستحق أكثر من هدنة أو هُدن إنسانية لسويعات، لغرض تقديم الغذاء والدواء لمن بقي على قيد الحياة، والأكفان لتلبية المتطلبات المستقبلية، لكنها تستحق موقفاً وكلمة وهي كل مانملك وسيذكّرنا بها الفيسبوك عند مرور عام، بعد فوات فرصة مراجعة المواقف والكلمات التي كتبناها أو لم نكتبها عن غزة وأطفالها الكبار.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى