أخر الأخبار

التعنيف الأسري ظاهرة أم حالات فردية؟

كتب ابراهيم سبتي: إن ظاهرة العنف الأسري أخذت تتفاقم في العراق في السنوات الأخيرة، رغم محاولات منعها ومواجهتها من قبل السلطات المختصة، التي تبذل جهداً واضحاً بالتعاون مع الفعاليات المجتمعية الأخرى.

 

لكن العنف أصبح ممارسة يقوم بها من يشعر بالإحباط أو المقصّر في واجباته الأسرية، بسبب الفاقة والعوز، أو ذلك الداخل في دهاليز الإدمان بكل انواعه أو المريض نفسياً، ويشعر بالقلق والقصور من الآخرين تجاهه.

ومهما تعددت الأسباب فلا يمكن أن تُعطى الشرعيّة أو العذر لمن يرتكب فعل التعنيف من كلا الطرفين، الرجل أو المرأة، وربما حتى الأبناء أيضاً.

يمارس العنف من يشعر بالسلوك المنحرف اجتماعياً ونفسياً والذي يشعر بالنقص في تركيبته، وإلَّا بماذا نفسّر التعنيف ضد طفلة بريئة أو طفل بريء في الرابعة أو السادسة من عمره؟ هل يندرج هذا التصرف ضمن الشعور بالرجولة التي تتكامل بهذا الفعل الآثم؟ للأسف إن هذا السلوك الانحرافي أخذ يتزايد في بعض الأسر داخل مجتمعنا، وهو ينذر بخطر كبير إن لم يتوقف ويتم صدّه ومنعه بأي وسيلة كانت.

إن أية مشكلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة أو أي فعل سلبي في المجتمع أو داخل الأسرة، تحتاج من الجهات المختصة المتصدية للمعالجة، بأن تبدأ بدراستها ومعرفة الأسباب التي أدّت إليها وعزلها وإيقافها، ليتم إعطاء المعالجات المناسبة لها ومنعها قدر الإمكان، وهذا لن يتحقق دون أن يكون للجميع دوراً مشهوداً في ذلك.

وحتى الحلول والمعالجات يجب أن لا تكون سريعة مبنيّة على ردود أفعال آنية كي لا تذهب الجهود أدراج الريح، بل أن تكون الحلول متأنية مستندة على دراسات وتجارب، لكي نضمن نتائج المعالجة ومنع الدوافع والأسباب التي أدت لقيامها.

وهذا ما جعل معظم الحالات تعود ثانية وتسبب التعنيف داخل الأسرة، لأنها لم تعالج معالجة جذرية.

وفي قراءة صادمة، نُشرت إحصائية كبيرة ومؤلمة تعكس تفشي ظاهرة العنف الأسري والمجتمعي في العراق، فقد أحصت وزارة الداخلية نسب حالات العنف في البلاد، على اختلاف أشكالها، والتي تبلغ نحو 100 حالة يومياً في العاصمة بغداد فقط، دون إضافة أعداد حالات المحافظات الأخرى.

وهذا يعكس مدى تفاقم هذه الظاهرة، والتي بالتأكيد هي جديدة وطارئة على مجتمعنا العراقي، لأنها خرجت من حدود الأسرة واقتحمت المجتمع، الذي من المؤكد أن القيم الدينية والعشائرية والأخلاقية التي يمتاز بها وتربى عليها، ستساعد على إيقاف هذه الظاهرة رغم اتساعها.

وفي قول لأحد المسؤولين في وزارة الداخلية، بأن نسبة اعتداء الزوج على الزوجة وتعنيفها بلغت 57% من مجموع حالات التعنيف الأسري، ولا يتوقف الامر عند ذلك، بل إن تعنيف الزوجة لزوجها كما يقول المسؤول، بلغت 17% من عدد الشكاوى المقدمة للجهات المختصة.

ناهيك عن تعنيف الأطفال وهي ظاهرة غريبة وتفطر نياط القلوب، لا سيما نحن كمجتمع عراقي لم نعرف هذه الظاهرة من قبل.

ولكن كأسباب مباشرة يمكن أن نصنّف الحالة الاقتصادية والبطالة والفاقة، فهي تحتل المرتبة الأولى في ممارسة التعنيف، لأن الأسرة تحتاج إلى إعالة ومتابعة وتذليل وتلبية لكل احتياجاتها.

ويأتي العامل الآخر وهو الابتعاد عن القيم التربوية والدينية والأخلاقية التي جُبل عليها المجتمع، مما سيؤدي إلى الافراط في ممارسة التعنيف دون وازع ورادع قوي.

وتأتي عوامل أخرى طارئة وغريبة على المجتمع ساهمت في التعنيف الأسري وغذّته، وهي حالة الإدمان التي يتصرف بعدها الشخص دون معرفة وانتباه وغياب تام لما يفعل.

إن أولوية وقف هذه الحالات، هي تظافر الجهود المجتمعية والرسمية والدينية لردعها ومنعها من أن تكون ظاهرة، ولكي لا يمنح الشخص أي مبرر للقيام بتعنيف أسرته، وبذلك ستنخفض الحالات ويتحقق الجهد المطلوب.

إن بناء المجتمع يحتاج إلى عقول واعية وكفاءات متفتحة على المستقبل، بكل ما يحمله من استعداد للمواجهة والمغامرة والتقدم نحو آفاق جديدة، تساهم في تقدم البلد.

وهذا ما يدعو الجميع للوقوف بوجه حالات التعنيف وصدّها، ومنعها من أن تكون ظاهرة مقلقة في المجتمع.

 

زر الذهاب إلى الأعلى