الحرب الإقليميَّة والخطوط الحمراء
كتب محمد حسن الساعدي: من الواضح جداً أن الولايات المتحدة أصبحت مدركة تماماً أن أي حرب جديدة في الشرق الأوسط، ستكون مكلفة لها على المدى المتوسط أو البعيد، وهذا ما انعكس فعلاً من خلال تراجع الشعبية في داخل الولايات المتحدة الأمريكية في المشاركة بأي حرب يمكن أن تؤدي إلى قتل أبنائهم، ما خلق جواً من خيبة أمل تجاه الإدارة الامريكية، والذي بالتأكيد سينعكس سلباً في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ومع المشاركة الواضحة لواشنطن في الحرب على غزة بات الوضع الأمريكي الداخلي ضاغطاً، ويسير نحو التصعيد، وهذا ما لمسناه من خلال خروج مدينة اقتصادية مهمة هي تكساس، والتي أعلنت موقفها الرافض لسياسات الإدارة الامريكية في العالم والشرق الأوسط تحديداً.
الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج تعتبره واشنطن حجر الأساس في المنطقة، وتؤكد دائماً أن وجودها لن يكون مؤقتاً في ظل التوترات المصطنعة، والتي تشتعل بين الحينة والأخرى، لتبقى مستعرة دائماً وبحاجة لوجود هذه القوات، بالمقابل التحولات الجيوسياسية، التي ألقت بظلالها على المشهد عموماً وجعلت القطبية الواحدة تنتهي والعالم يسير نحو تعدد القطبية، على أثر الحروب التي غيرت مجرى الوضع في المنطقة والعالم، والذي سيؤدي إلى تسريع التعددية القطبية وبروز قوى جديدة، تؤثر على خارطة التحالفات في منطقة الشرق الأوسط.
الهجوم العسكري “الإسرائيلي” الوحشي على غزة والدعم الأمريكي غير المشروط هو أحد الأسباب، التي أدت إلى تسريع التحول في القطبية العالمية، وجعلت الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط تغير نظرتها إلى التحالف مع واشنطن، حيث أصبحوا الآن يرسمون مسارات أكثر استقلالية ويتجنبون أي اشتباك، مع بحذر التشابكات التي يمكن أن تؤدي إلى صراعات أوسع، وخاصة مع إيران أو أي دولة أخرى من محور المقاومة الرافض، لأي هيمنة على المنطقة.
إن التحول من نظام أحادي القطب إلى متعدد الأقطاب، والاندفاع الروسي والصيني نحو المنطقة، الهادف إلى إيجاد تهدئة فيها يدعو إلى ضرورة إيجاد حلول أمنية جديدة، الأمر الذي يدفع إلى التغيير بشكل كبير في الملف السياسي والاقتصادي على حد سواء، بالإضافة إلى التقارب (السعودي-الإيراني)، الذي لم يفاجئ واشنطن، فحسب بل أظهر للدول الاقليمية، إمكانية الخروج من أي هيمنة تمارسها واشنطن على هذه الدول، وإبرام الصفقات مع الدول الغربية الأخرى دون الحاجة إلى التعاون والتنسيق مع واشنطن، والتأكيد على أن دول المنطقة والخليجية منها، قادرة على التعاطي مع الغرب بعقلية القوة وليس الضعف.
من هذا المنطلق يبدو أن مسار التهدئة أصبح أكثر نضجاً من مسار التصعيد، وأمسى “الإسرائيليون” يدركون أن الحرب والقتل والهدم والتهجير، هي لغة ضعف وهروب نحو الأمام وليس قوة، كما هو الغرب الذي عليه التراجع إلى الوراء قليلاً لقراءة المشهد من بعيد وبصورة واقعية، ليرى أنه الخاسر من هذه الحرب، وأن يعيد وضع وجهة نظر جديدة تختلف عن السابقات، مبنية على أساس أن الولد إذا كبر يكبر معه روحه، ويصبح أكثر قوة وقدرة على الوقوف بوجه من يريد أن يجعله خاضعاً خانعاً على الدوام.