الذات المزيفة
أن يبتعد الفرد عن شخصيته الحقيقية، وينسلخ عن ذاته ويتحول إلى شخصية مغايرة تماما لما له والدخول في ذات زائفة، فهذا التحول والانسلاخ لا يمكن أن يكون طبيعيًا بتاتًا
سرى آل جواد: بطبيعةِ الحال فإن كلَّ البشر يحتاج إلى مساحته الشخصية؛ ويعيد النظر في ذاته؛ لينعزلَ فيها عن هذا العالم أجمع مُبتعدًا عن واقعِه قليلًا. إذ تحتاج نفوسنا إلى راحة من ضغوط الحياة اليومية التي لا حصر لها، لكن أن يبتعد الفرد عن شخصيته الحقيقية، وينسلخ عن ذاته ويتحول إلى شخصية مغايرة تماما لما له والدخول في ذات زائفة، فهذا التحول والانسلاخ لا يمكن أن يكون طبيعيًا بتاتًا. فَكيف يمكن لهذه الشخصية أن تصوغ لها واقعًا من خيال؟
أصبح للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صداهما المؤثر. ففي بعض الأحيان تكون غشاء يحجب الرأي الصائب وصوت الحق، إذ بات كلّ منا لا يُميز بين الصالح والطالح، وبين المقاوم والخائن وبين العلماء والعملاء. فالكل عبر هذه المواقع يَحمل أخلاق الأنبياء. ويتبنى نهج الأتقياء (فالكل شاعر حتى يثبت العكس). ولو أنعمنا النظر وعقدنا مقارنة بين التصريحات والمنشورات التي يُطلقها بعضهم عبر مواقعهم. وهم يطالبون بحقوق الإنسان. وينبذون الخيانة ويرفضون الظلم ويرونَ في هذه الممارسات جريمة نكراء. وبين واقعهم وسلوكياتهم. وممارساتهم لأصبت بالغثيان من شدَّة الانفصام.
للأسف الشديد نحن أمة تجيد الكلام الكثير. وثقافة التنظير الممل هي التي تسيطر علينا، وتستوطننا، الكل منا يُنظر ويتفلسف ويقول، ولا نجيد الفعل والتخطيط، ننادي بالإصلاح والتجديد والتغيير، ونغرق بالتنظير حدّ الغليان، ثم نبرد بعدها لدرجة التجمد، وننسى أو نتناسى ما نظّرنا به. ذلك أن ترى أحدهم ينظّر للمصداقية والمهنية والموضوعية والأخلاق والأمانة، عبر إنشائه صفحة على هذه المواقع، ويتخذ منها منبراً ليغرد ويصرح من خلالها على هواه أو ما يخالف هواه ومبتغاه، نقرأ منشوراته. وكأنه فارس مقدام أو داعية نبيل. أو مقاومٌ صنديد، وواقعه عكس ذلك تماما.
لو تطابقت منشوراتنا وأقوالنا مع أفعالنا لتغيرت حياتنا لاندثر الطغاة الذي جثموا على صدورنا، الأمر يحتاج إلى مصداقية مع الذات قبل كل شيء. فهل يعقل أن من يناقض ذاته بمنشوراته المثالية. وسلوكاته الغريبة سيُغير الواقع؟.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: العراق أولاً
لمتابعتنا أيضا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: “العراق أولاً