الفساد الإداري والمالي في دول العالم وكيفية معالجته
كتب أ. د. صباح حسن الزبيدي: من المعلوم، أنَّ الفساد ظاهرة اجتماعيَّة انتشرت في كثير من المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء، ولكن الأكثر انتشاراً في الدول الفقيرة التي تعيش تدني في الأجور والخدمات العامة، وتعاني من حوادث منها الحروب والعنف والإرهاب.
وفي ضوء ما تقدم أن أغلب الدول التي تعاني من الفساد هي التي تفتقد إلى التأمين وسوق العمل وتقيد الحريات، فضلاً عن وجود قوانين وقواعد أخلاقيّة ضعيفة بسبب ضعف الرقابة والمساءلة، وعدم توفر المعلومات وبهذه انتشرت ظاهره الفساد بكل أشكاله ومنها (الغش، السرقة، استغلال النفوذ، التهرّب من الضريبة، وسوء الأمانة، الصرف المفرط من دون الحاجة إليه، وتسريب المعلومات لخدمة مصالح الآخرين مقابل بدل أو نسبة من الأرباح، قبول الهدايا الناهضة، التلاعب بالأرقام والبيانات المالية، الكذب، الرشوة، الاختلاس، وسوء استعمال السلطة، وهدر المال العام، والوساطة أو القرابة، وتوظيف الأموال العامة لمصلحة فرد أو مؤسسة، الحصول على نسب من العقود أو المناقصات الرسميّة، وتفضيل ذوي القربى من العقود أو التعيينات، وفرض الضرائب من دون حق أو مرجع قانوني …… الخ).
وبناءً على ما تقدم فإنَّ الفساد يظهر في تلك الدول استناداً إلى عوامل منها اقتصادية، اجتماعية، سياسية، طبيعية، ثقافية، فالفساد الاقتصادي يرجع إلى عدة عوامل منها (الفقر والعوز، تفاقم الوضع الاقتصادي، ارتفاع نسب البطالة، وتفشي البيروقراطية الحكومية، وهيمنة القطاع العام على الحياة الاقتصادية، وضعف أداء السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، وأما العوامل السياسية منها (غياب القدرة السياسية وتفشي البيروقراطية الحكومية أو المغالاة في المركزية في إدارة الحكومة، أو ضعف في أداء السلطات الثلاث التشريع والتنفيذ والقضاء، وأما العوامل الثقافيّة فهي الولاءات الأسرية، الولاءات القبلية، وميول عرقية وعنصرية… الخ).
وعليه فإنَّ الفساد يعرقل عملية التنمية الشاملة في البلد، حيث أكدت معظم الدراسات أن للفساد له نتائج وهي:-
1 – الفشل في تنشيط الاستثمارات المحليّة وجذب الاستثمارات الأجنبيّة، مما يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال إلى الخارج وعزوف المستثمرين عن العمل داخل البلد، مما يؤدي إلى ضعف عام في الاقتصاد وانتشار ظاهرة البطالة والفقر.
2 – هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصيّة بالمشاريع التنموية العامة والكلفة المالية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة، كنتيجة لهدر الإيرادات العامة.
3 – هجرة الكفاءات الاقتصاديّة نظراً لغياب التقدير وبروز المحسوبيّة والمحاباة في إشغال المناصب العامة.
4 – الفشل في الحصول على المساعدات الخارجيّة نتيجة سمعة النظام السياسي.
5 – تخريب وتداعي النظام السياسي برمته سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته كما يحدد من شفافية النظام في العمل مما يؤدي إلى صراعات كبيرة بين المجموعات وخلق جو يسمى النفاق السياسي لقلة الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الرقابة والمساءلة، وانعكاس ذلك على الدول المجاورة.
وتأسيساً على ما تقدم فإنَّ الشفافية والنزاهة في العمل هي صمام الأمان لردع الفساد بكل أشكاله، فالفساد عموماً هو سلوك منحرف يلحق خسائر كبيرة مادية ومعنوية على الفرد والمجتمع.
وعليه فإنَّ الفساد ظاهرة اجتماعية منتشرة في كل دول العالم، والعراق جزءٌ من هذه الدول حيث يعاني من ظاهرة الفساد، خصوصاً أنّ العراق عاش كثيراً من المعاناة نتيجة الحروب والكوارث والعنف والإرهاب.
إجراءات في معالجة الفساد:-
توجد عدة إجراءات لمعالجة الفساد في دول العالم
1:- إجراءات وقائية 2 – إجراءات علاجيَّة
أولاً:- إجراءات وقائيَّة :- تعتمد هذه الإجراءات الوقائية على مجموعة من الأعمال الإجرائية وهي
تطوير الإدارة العامة:- إن تطوير الإدارة العامة لها دور كبير في الحد من ظاهرة الفساد، وإن نظام تطوير الإدارة العامة إحدى مبادرات البنك الدولي المعنية بمكافحة الفساد، حيث خصص البنك الدولي ما يقرب من الـ (10 %) من الخزينة، أي توزيع (9) بلايين دولار أمريكي لمساعدة البلدان في بناء مؤسسات قطاع عام تتسم بالكفاءة وخاصة المساءلة والرقابة .
نشر ثقافة النزاهة:- إنَّ ثقافة النزاهة هي توعية الموظف بالخدمة التي يقدمها للمواطن التي ينبغي أن تتسم بالنزاهة والشفافية لكل المواطنين فهي ليست حكراً على حزب أو قرابة، بل هي لمن في خدمة المواطن، وكذلك للمواطن حق أن يتقلّد الوظائف العامة بشرط أن تتوفر فيه الكفاءة والمهنية.
بناء دولة المؤسسات:- على الدولة أن تبني مؤسسات تتسم بتطبيق القانون وضمان المشروعية في إعمال أجهزة الدولة وتعزيز الديمقراطية والشراكة في صنع أجهزة الرقابة والمساءلة، وبذلك ينبغي أن تكون سلطة القضاء مستقلة وأن توجد أجهزة الرقابة والمساءلة ومؤسسات المجتمع المدني وضمان التعبير وحرية الرأي ومواكبة التطورات وتعزيز الشفافية والممارسة في كل مفاصل العمل ومحاربة الفساد بكل أشكاله.
ثانياً:- إجراءات علاجيَّة:- قامت بعض الدول باستخدام إجراءات علاجيَّة منها (العقاب والردع)، ويتضمن علاج الفساد بإزالة أسبابه وكبح جماح الفساد من خلال منظومة متكاملة مؤسساتية قادرة على كشف حالات الفساد ومعاقبة الفاسدين وإحالتهم إلى الجهات القضائيَّة المستقلة وفق منهجية علمية وقائية معتمدة على مبادئ الشفافية والنزاهة في العمل.
ومعتمدة ما يلي:-
اعتماد مبادئ الشفافية والنزاهة (المراقبة – الرصد – المساءلة)
اختيار المدراء في المؤسسات الحكومية والأهلية يتسمون بالنزاهة والشفافية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
منح الأشخاص الكفوءين والمشهود لهم بالأمانة والإخلاص والنزاهة مكافآت وحوافز.
معاقبة الأشخاص الذين تثبت عليهم آفة الفساد عقوبات خاصة (العقوبة السوداء).
إنشاء هيئات رقابيَّة مستقلة للوقاية من الفساد
إصلاح القضاء ودعم استقلاليته
وضع معايير دقيقة للمحاسبة الحكومية
تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في الكشف عن حالات الفساد
تفعيل دور الإعلام في مجال التوعية من مخاطر الفساد
نشر ثقافة النزاهة والشفافيّة وفق الطرق العلميّة والمنهاج الدراسية بدءاً من المرحلة الابتدائيّة حتى المراحل الجامعيّة
تعزيز دور رجال الدين والإعلام والقانون والتربية في إقامة منابر التوعية والتثقيف في نشر مبادئ النزاهة والشفافية بالقنوات الإعلاميّة والتربويّة.