كتب ياسين النصير: الناس الفائضون
هؤلاء الذين يعتقدون أنهم أكثر دراية منك بأمورك، ليسوا إلا مجموعات أو مخلوقات لم اجد تعريفا لهم، ولكنهم من الكثرة ما يملؤون الكتب والبلدان.
شخصيًا عشت مع بعضهم في العراق في البصرة وفي بغداد، وقلت مع نفسي ربما لن اجدهم في عمان أو دمشق أو باريس أو هولندا أو لندن أو القاهرة، ولكني كنت على خطأ جسيم، وأقول خطأ جسيم.
فالكلمة لا تعبر عن المأساة الأخلاقية التي صادفتها من بعضهم، ومع ذلك يمكن عزلهم أو حجرهم في منعزل كي يفهموا انهم مجموعة من الناس المدعين، تصورتهم جماعة متجانسة أول الأمر بالرغم من انهم لم يلتقوا، فهم مجتمع آخر يعيش معنا ولكنهم كما لو كانوا يعيشون في الظل.
ويعرفون انك بحاجة ما، مهما كنت، إلى القليل من الظل عسى أن تجد فيه راحة ولو مؤقتة، ولكني كنت على خطأ، فهؤلاء يشكلون مجتمعا آخر لهم أهدافهم الخاصة ولهم ان يفرضوا قناعتهم عليك، وانهم الناس الذين يدعون الخبرة في كل شيء، فمن أجل ان تؤمن بهم انهم منقذون يأتونك بأمثلة.
هذا فقط ما يريدون هو أن تعتقد وأن تؤمن انهم مخلصون لك وباستطاعتهم ان يرسموا لك الطريق الصواب باعتبارهم ذوي خبرة، فتجدهم يبتسمون كما لو انهم ظفروا بك، ثم يبدؤون خطواتهم العقربية بالتقرب إليك ومن ثم يسألونك عما يعتريك أو يشغلك، فتبدي لهم كشف حسابك الخاص كجزء من طيبتك عما مررت به، وعما هو قائم بالفعل معك، وإذا بهم يتبرعون بطرح الحلول لكل قضية، مهما كانت أبعادها وستجد أن بعضهم لا يطلب شيئا سوى أن تثق به وأن تكون صديقًا له، واذا قدر وصارحك بحلول ما طلب منك ان لا تبوح بها للآخرين، فالأمر لا يمكن ان يشاع حتى لا يتخذه البعض طريقة للإيقاع بك.
سأسرد بعض الاشكال من هؤلاء الذين كانوا في القرية بالرغم من ثقافتهم البسيطة، والذين كانوا في المدينة، والذين كانوا في بلدان الهجرة، فوجدت أنهم مجموعة اجتماعية ذات اهداف خاصة مهمتهم ان يكونوا دائما على صواب وان الآخرين مهما كانوا هم على خطأ.
هؤلاء موزعون بين الجغرافيا البشرية كلها ولهم تنظيم لا مرئي يستطيعون به ان يتقابلوا ويتفاهموا وانت وحدك الضحية او المكسب. فوجدت أن بعضهم يعمل الأشياء من دون مقابل مادي والأكثرية يعملون نصائحكم مقابل ان تكون صديقهم فقط، ثم تفاجأ انهم يسعون لتغيير قناعاتك بمبدأ أو فكر تؤمن به لأنهم في قرارة أنفسهم لم يهتوا إلى مبدأ يثقون به، فاعتبروا من يخالفهم انتقاصا منهم.
ولذلك يسعى بعضهم إلى الإيقاع بك عن طريقة أوهام الصداقة ويروح يضخ لك معلومات عن الطرف الذي تؤمن به ولا يتوانى من خلق الأكاذيب وامتهان التحريف كي يقنعك ان موقفك على خطأ. حاول اكثر من شخص أن يقنعني ان الماركسية مثلا ليست منهجا صالحا حتى للتفكير بشؤوننا الاقتصادية، كما حاول البعض القول ان الفكر الديني هو الآخر ليس جديرا بان يكون مثلا يمكن الاعتماد على بعض تصوراته، وهدف الاثنين ليس نقد الدين أو نقد الماركسية.
وانما الهدف هو تغيير قناعاتك بما تؤمن، واذا وثقت به ستجده بعد أيام يرسل لك معلومات لا يذكر مصدرها، ان الكثير من الناس قد أقلعت عن ايمانها السابق واقتنعت بطرائق عملهم، وعليك ان تحذو حذوهم لا سيما ان هذه النماذج تعد البعض بعمل ما، او رخاء موعود، او منزلة ومكانة ووظيفة، كل ذلك كي يقولوا لأنفسهم أنهم ناجحون في تغيير قناعات الناس.
لتصلك آخر الأخبار تابعنا على قناتنا على تلغرام: العراق أولاً
لمتابعتنا على فيسبوك يرجى الضغط على الرابط التالي: “العراق أولاً“