بعض المخالفات الشرعية التي تضمنها قانون الأحوال
كتب الدكتور محمد جاسم محمد: قانون الأحوال يسلم الزوجة معولاً لهدم بيتها وتدمير أسرتها تحت عنوان حقوق الزوجة: الفقرات الآتية تبين بما لا يقبل مجال للشك، أن قانون الأحوال الحالي قد منح المرأة بعض الحقوق بيدٍ، وسلبها منها في اليد الأخرى، لا بل كتفها وقيدها وسلبها أهم حقوقها، وهي العائلة المتماسكة التي تتجاوز صعوبات الحياة، لتعبر إلى بر السعادة والأمان والانسجام، وهل هناك أكثر جرماً من أن يسمح القانون بالزواج للمرأة، وهي على ذمة زوج آخر شرعاً!!
المقال فيه إطالة بعض الشيء، لكنه يتضمن بيان لبعض من المخالفات الشرعية التي تضمنها القانون:
1. نصت المادة (6) على الآتي: (… 3- الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الإيفاء بها، 4- للزوجة طلب فسخ العقد عند عدم إيفاء الزوج بما اشترط ضمن عقد الزواج)، أولاً: القانون لم يبين طبيعة هذه الشروط المشروعة مما جعل من هذه الفقرات مواد توسع من حالات الطلاق، وتفتح المجال واسعاً لاجتهاد القاضي واختلاف الأحكام، ثانياً: إن الشروط وإن كانت مشروعة ويجب الالتزام بها إلا أنها لا توجب خيار الفسخ إلا إذا كان هناك تدليس من الطرف الآخر، ثالثاً: هناك شروط في العقد لا تلزم الزوج بها وإن كانت مشروعة لاسيما تلك الشروط التي تخالف مقتضى العقد أو تعارض حقوق الزوج، ولذلك فإن هذه الفقرة تكشف إصرار القانون على فتح الباب على مصراعيه لتفتيت العائلة!
2. المادة (25/ 2 – لا تلزم الزوجة بمطاوعة زوجها، ولا تعتبر ناشزاً، إذا كان الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الإضرار بها أو التضييق عليها، ويعتبر من قبيل التعسف والإضرار بوجه خاص ما يأتي: ب – إذا كان البيت الشرعي المهيأ بعيداً عن محل عمل الزوجة، بحيث يتعذر معه التوفيق بين التزاماتها البيتية والوظيفية)، المشرع هنا قد افترض تحقق التعسف والإضرار بالزوجة بمجرد بُعد بيت الزوجية عن محل عملها!! أي أن القانون قد قدم الوظيفة على وحدة الأسرة وتماسكها، وسمح بعدم المطاوعة وما سيترتب عليها من آثار ولم يعمل بأهم قواعد الفقه :(درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).
نعم، إن محافظة الزوجة على وظيفتها فيه مصلحة معتبرة للزوجة وللزوج بنفس الوقت، لكن أن نفترض تحقق التعسف والإضرار بمجرد عدم اختيار مكان سكن قريب من وظيفة الزوجة، وما قد يترتب على ذلك من التفريق فهو ما يعتبر من أهم أسباب انهيار العلاقات العائلية، والجميع يعلم أن السكن المثالي في وقتنا الحاضر ليس بالأمر السهل، والانتقال من مكان إلى آخر أمر مكلف وقد يكون متعسر لأسباب مالية أو غيرها، فكان الأجدر بالمشرع أن لا يوسع من أسباب عدم المطاوعة، وأن لا يفترض تحقق التعسف والإضرار بمجرد إسكان الزوجة بعيداً عن محل عملها، مع الإقرار بأهمية المحافظة على وظيفة الزوجة، وأن تسكن قرب عملها قدر المستطاع لكن لا نجعلها مسوغاً لهدم كيان الأسرة وتشرد أفرادها.
3. المادة (٤٠: لكل من الزوجين طلب التفريق عند توافر أحد الأسباب الآتية: ٣- إذا كان عقد الزواج قد تم قبل إكمال أحد الزوجين الثامنة عشرة دون موافقة القاضي) وهذه من المخالفات الشرعية لثوابت الإسلام، إذ أراد القانون أن يمنع الزواج خارج المحكمة دون توافر السن القانوني وجعله بمنزلة زواج الإكراه لكنه- القانون- ذهب بعيداً جداً وأعطى الزوجين حق طلب التفريق.
تبعاً لذلك إذا كان شاب وشابة ناضجين جسدياً وعقلياً وأرادا الزواج فالذين يحصلون على إذن القاضي يكون زواجهم صحيح ولا يجوز التفريق بينهما لهذا السبب، والذين لا يحصلوا على إذن القاضي زواجهم يمكن أن يخضع لطلب التفريق؟ بعبارة أوضح، إذا كان كلا الزوجين أعمارهم 14 أو 16 سنة مع تحقق البلوغ والنضج وتم العقد خارج المحكمة فيمكن للزوج والزوجة بعد بلوغه 18 سنة المطالبة بالتفريق بحجة أن العقد قد تم خارج المحكمة؟ فهل يجوز للشرط القانوني أن يمنع حقاً شرعياً ويجري التفريق بين الزوجين الشرعيين وفقاً له؟ وهذا ما سيمكن الزوجة من التزوج بآخر مع بقائها على ذمة زوجها الشرعي.
نعم ممكن فرض غرامات مالية مثل لإجبار العاقدين على التسجيل لكن لا يصل الأمر إلى السماح بالتفريق. ثم إن هذا النص قد سلب حق الولاية للأب على زواج ابنه أو بنته؟ فإن كان الولي موافق على الزواج فكيف يمكن للقاضي أن يفرقهم تحت أي ظرف؟ ثم لم يبين المشرع ما هي الفترة التي تمنح للزوجين لاستعمال هذا الخيار بعد البلوغ؟
4. المادة (40: لكل من الزوجين طلب التفريق عند توافر أحد الأسباب الاتية: 5- إذا تزوج الزوج بزوجة ثانية بدون إذن من المحكمة …. ) أي أن لها الحق طلب التفريق أو إقامة الدعوى الجزائية على الزوج. وهذه المادة من المخالفات لثوابت الإسلام التي أجازت التفريق بناء على سبب لا يقره الشرع الحنيف، الأمر الذي سيؤدي إلى تفكك الأسرة وهدم كيانها فضلاً عن بقاء الزوجة بذمة زوجها شرعاً حتى وإن حصل التفريق في المحكمة لذلك السبب المخالف للشرع.
5. المادة ( 43/ أولاً – للزوجة طلب التفريق عند توفر أحد الأسباب الآتية: ٧- إذا امتنع الزوج عن الإنفاق عليها دون عذر مشروع بعد إمهاله مدة أقصاها ستون يوماً) أي أن للزوجة أن تطلب التفريق إذا لم ينفق عليها زوجها مدة 60 يوماً دون سبب مشروع، وهذا الحكم المخالف للشريعة فيه ظلم للعلاقة الزوجية وتعجيل بهدمها، في حين أن الفقه الجعفري يفصل أكثر في هذه المسالة ويجب على الأطراف استنفاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع الفرقة أو الإنفاق، ولا ضرورة بحصرها بستين يوماً فقط لاسيما وأن حق الزوجة بالنفقة المتراكمة مستمراً ويعتبر ديناً بذمة الزوج مهما طال الوقت، ويمكن للزوجة الاستدانة فلماذا القانون يمهد الطريق أمام الزوجة للفرقة عن زوجها بهذه العجلة.
ليس هذا فحسب بل زاد القانون من رغبته في تحقيق سهولة التفريق للزوجة بموجب الفقرة (٩) من المادة أعلاه عند امتنع الزوج عن تسديد النفقة المتراكمة المحكوم بها بعد إمهاله مدة أقصاها ستون يوماً من قبل دائرة التنفيذ أي مجرد امتناعه عن تسديد دين نفقة متراكم لمدة 60 يوماً، مع الإقرار بحق الزوجة بهذا الدين، ولا غبار على ذلك لكن يجب استنفاذ الوسائل لإجبار الزوج على الدفع ولا توجد حكمة معتبرة من حصر المدة بـ 60 يوماً فقط.
6. المادة (43: ثالثاً: ا – للزوجة العراقية طلب التفريق عن زوجها المقيم خارج القطر بسبب تبعية جنسيته لدولة أجنبية إذا مضى على إقامته في الخارج مدة لا تقل عن ثلاث سنوات بسبب منعه أو امتناعه عن دخول القطر. ب – يعتبر تأييد الجهة الرسمية المختصة بإقامة الزوج في الخارج لأغراض هذه الفقرة بديلاً عن إجراءات تبليغه بلائحة الدعوى وموعد المرافعة، على أن يتم نشر الحكم الصادر على الزوج في إحدى الصحف المحلية.) المادة أعلاه تخالف ثوابت الشرع المقدس فهذه المادة ذات صبغة سياسية واضحة ولا تحتاج إلى توضيح.
7. جعلت الفقرة (٨) من المادة (٤٣) للزوجة الحق بطلب التفريق عند الحكم على الزوج بالحبس مدة تزيد على سنة دون أن تقيده بضرورة اكتساب الحكم الدرجة القطعية أو أن يقض بالحبس مدة فعلية لا تقل عن سنة لاحتمال أن يصدر بعد صيرورة الحكم النهائي عفو عام، وبالتالي لا يجوز الإسراع بهدم أسرة لمجرد تحقق حالة من حالات التفريق.