تاريخ لصناعة المخلل من عصور ما قبل الميلاد حتى اليوم
يعد المخلل من أشهى المقبلات التي يتم تناولها إلى جانب الوجبات الرئيسية، لكنه كان يوماً ما أكثر بكثير من مجرد مقبلات، فقد ساهم اختراع المخلل منذ قرابة 4000 عام في حفظ الخضراوات لتناولها في أيام الشتاء الباردة، ولطالما كان صديقاً للمحاربين منذ أيام يوليوس قيصر وحتى الحرب العالمية الثانية، كما كان صديقاً حميماً للبحارة والمستكشفين أمثال كولومبس، فضلاً عن ذلك فقد اعتبرته ملكات مثل كليوباترا السر السحري وراء جمال ونضارة البشرة..!
المخلل في العالم القديم
تُعتبر عملية التخليل -أي حفظ الأطعمة في الخل أو محلول ملحي أو محلول مشابه- إحدى أقدم طرق حفظ الطعام.
رغم أنَّ الأصول الدقيقة لتلك العملية لا تزال مجهولة يعتقد علماء الآثار أنَّ سكان بلاد ما بين النهرين القدماء قد خلّلوا الخضراوات من وقت يعود إلى عام 2400 قبل الميلاد، وفقاً لمتحف نيويورك للطعام.
ومنذ قرابة 3000 عام بدأ تخليل الخيار في الهند القديمة، وفقاً لـFood History.
عام 50 قبل الميلاد
أدرجت ملكة مصر، كليوباترا، المخللات ضمن نظامها الغذائي، وعزت إليها الفضل في تعزيز صحتها وجمالها الأسطوري.
كذلك، قدَّم يوليوس قيصر، الذي كان مغرماً بالملكة كليوباترا، وغيره من الأباطرة الرومان المخللات لقواتهم العسكرية ليأكلوها، اعتقاداً منهم أنَّها ستعزز قوتهم، وفقاً لما ورد في موقع History الأمريكي.
عام 900 بعد الميلاد
وصل الشبت، أحد أهم الأعشاب المستخدمة في تخليل الخيار والخضراوات الأخرى، إلى أوروبا الغربية حوالي عام 900 ميلادياً، رغم أنَّ الإغريق والرومان القدماء استخدموه على نطاق واسع قبل قرون سابقة.
المخلل صديق البحارة والمستكشفين
القرن الخامس عشر
عانى العديد من البحارة خلال تلك الفترة في رحلاتهم العابرة للمحيطات من مرض الإسقربوط، وهو مرض شائع منذ قرون، ينتج عن نقص فيتامين “سي” في الجسم.
وقد ورد أنَّ كريستوفر كولومبوس في رحلته الاستكشافية إلى العالم الجديد (أمريكا) كان يُقدّم لبحّارته وجبات من المخللات، لدرجة أنَّه أمر بزراعة الخيار في هاييتي، لإعادة التزوّد به من أجل بقية الرحلة.
هذا ليس كل شيء، كان أميريكو فسبوتشي، الذي قام بعدة رحلات استكشافية إلى العالم الجديد، يعمل متعهداً لتموين السفن بالمواد الغذائية في إشبيلية بإسبانيا، قبل أن يصبح مستكشفاً.
وقد ساعد فسبوتشي، المعروف باسم “تاجر المخللات”، في تزويد سفن كولومبوس بالمخللات خلال رحلاته الاستكشافية اللاحقة الأقل نجاحاً عبر المحيط الأطلسي.
خمسينيات القرن الـ17
بحلول عام 1659، بدأ المزارعون الهولنديون في نيويورك زراعة الخيار في المنطقة المعروفة حالياً باسم “بروكلين”.
اشترى التجار الخيار الهولندي وخلّلوه وباعوه في الشوارع، ليبدأوا ما سيصبح فيما بعد أكبر صناعة مخلل في العالم.
أدّت موجات الهجرة اللاحقة إلى مدينة نيويورك في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 إلى ترسيخ مكانة المدينة عالمياً في مجال صناعة المخللات، إذ وصل ضمن المهاجرين أعداد كبيرة من يهود أوروبا الشرقية الذين أدخلوا مخللات الشبت المتوافقة مع تعاليم الشريعة اليهودية إلى أمريكا.
المخلل ونابليون بونابرت
في العام 1809، عرض نابليون بونابرت دفع 12 ألف فرنك (ما يعادل حالياً 250 ألف دولار) للشخص الذي يستطيع ابتكار أفضل طريقة لتخليل الطعام وحفظه من أجل الجنود.
فاز الطبّاخ الفرنسي، نيكولاس أبيرت، بالمسابقة بفضل فكرة مفادها وضع الطعام في عبوات زجاجية، وسحب منها كل الهواء قبل إحكام غلقها بالسدادة والتشميع، ثم إغراق هذه العبوات المغلقة في ماء مغلي للحفاظ على صلاحية محتوياتها لفترة طويلة.
نجح أبيرت بهذه الوسيلة (التعليب) في الحفاظ، ليس فقط على الخضراوات والفواكه، لكن أيضاً على المشروبات والشوربات ومنتجات الألبان.
براءات اختراع سهّلت حفظ وتعليب المخلل
حصل الكيميائي الاسكتلندي، جيمس يونغ، في أوائل خمسينيات القرن الـ19 على براءة اختراع شمع البرافين، الذي ساعد في توفير إغلاق أكثر إحكاماً للجِرار المستخدمة لحفظ الطعام.
وفي عام 1858، حصل جون ماسون من فيلادلفيا على براءة اختراع لأول جرة مصنوعة من زجاج ثقيل الوزن، يتحمّل درجات الحرارة العالية أثناء عملية التعليب.
انتهت صلاحية براءة اختراع تلك الجرة التي عُرفت باسم “جرة ماسون” في عام 1879، لكن مُصنّعي الجرار المشابهة استمروا في استخدام اسم “جرة ماسون”.
شركة هاينز الأمريكية تتفوق في مجال صنع المخللات
في معرض شيكاغو العالمي عام 1893، أوفدت شركة “هاينز” الأمريكية بعض الأولاد المحليين لإغراء زوّار المعرض بـ”هدية مجانية” في حال زيارتهم الجناح الخاص بالشركة في المعرض وتذوقوا منتجاتها.
كانت شركة “هاينز”، بحلول انتهاء فترة المعرض، قد وزّعت حوالي مليون دبوس ملابس معدني على شكل خيارة مخللة مكتوب عليه اسم الشركة، لتكون بذلك قد أطلقت واحدة من أنجح المناورات التسويقية في تاريخ الولايات المتحدة.
كرّرت الشركة الأمريكية الترويج لمنتجاتها بنفس الوسيلة الدعائية “دبوس مخلل هاينز” بالمعارض العالمية في الأعوام 1896 و1898 و1939.
وما زال بالإمكان شراء دبابيس مخلل هاينز ذات اللون الأخضر الداكن حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى منتجات فرعية منبثقة مثل دبوس الكاتشب ودبوس المخلل الذهبي.
المخلل كان حاضراً في الحرب العالمية الثانية
وزّعت الحكومة الأمريكية حصص إعاشة من المخللات على الجنود خلال الحرب العالمية الثانية، وذهب 40% من إنتاج المخلل في البلاد إلى القوات المسلحة. وأُطلق “الأسبوع العالمي للمخللات” في عام 1948.
المخلل سبب فوز فريق كرة قدم عام 2000
فاز فريق “فيلادلفيا إيجلز” لكرة القدم الأمريكية على فريق “دالاس كاوبويز” بـ41 نقطة مقابل 14 نقطة، في يوم وصلت فيه درجات الحرارة إلى 42 درجة مئوية عام 2000.
عزا لاعبو فريق “فيلادلفيا إيجلز” الفضل في قدرتهم على التحمّل إلى شرب عصير المخلل.
دعمت دراسة علمية لاحقة في جامعة “بريغام يونغ” الأمريكية هذا الطرح، حيث أظهرت أنَّ شرب عصير المخلل “يخفف التشنجات العضلية بنسبة 37% أسرع من شرب الماء، وبنسبة 45% أسرع من عدم شرب سوائل على الإطلاق”.
المصدر: عربي بوست