أخر الأخبار

تركيا دولة الأقليات وارتدادات الأزمة السورية التي بدأت تظهر آثارها..!

كتب نزأر الحبيب.. لطالما كانت تركيا تُصوّر للعالم على أنها دولة تركية خالصة، لكن الواقع يختلف تمامًا عند الغوص في التركيبة السكانية الحقيقية للبلاد. فمكونات المجتمع التركي تُبرز تعددية عرقية ودينية واضحة، تجعل من الأتراك “الأتراك” مجرد أكبر أقلية ضمن نسيج متعدد الأطياف.

ومع تعمّق الأزمات الداخلية والخارجية، خاصة ارتدادات الأزمة السورية، بدأت تظهر تصدعات في هذا التكوين الاجتماعي والسياسي الهش.

التركيبة السكانية: الأتراك ليسوا الأغلبية

تشير الحقائق الديمغرافية إلى أن تركيا تتكون من ثلاث مجموعات رئيسية:

• الأتراك: يمثلون حوالي 40% من السكان.

• العلويون: يشكلون ما يقارب 30%، وهم طائفة دينية لها ثقلها الثقافي والتاريخي في البلاد.

• الأكراد: يشكلون أيضًا نحو 30%، ويمثلون أكبر مجموعة عرقية غير تركية، مع مطالب مستمرة بالاعتراف بحقوقهم القومية والثقافية.

هذه النسب تكشف حقيقة أن الأتراك، رغم أنهم المجموعة الأكبر، إلا أنهم لا يشكلون أغلبية مطلقة، مما يجعل التوازن السياسي والاجتماعي في تركيا حساسًا للغاية.

ارتدادات الأزمة السورية: زعزعة الاستقرار الداخلي

الأزمة السورية التي اندلعت في 2011 لم تكن مجرد شأن خارجي بالنسبة لتركيا، بل كان لها آثار مباشرة على الداخل التركي. فتح الحدود أمام ملايين اللاجئين السوريين، والسياسات العسكرية التركية في الشمال السوري، ساهمت في زيادة التوترات الداخلية.

• اللاجئون السوريون: وجود أكثر من 3.5 مليون لاجئ سوري أثار استياء شريحة واسعة من الأتراك، الذين يشعرون بأن اللاجئين يمثلون عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا، خاصة في ظل تدهور الوضع الاقتصادي.

• الأكراد في سوريا وتركيا: دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا أشعل مخاوف أنقرة من تصاعد النزعة الانفصالية لدى الأكراد داخل تركيا. هذا الأمر زاد من الضغط على الحكومة التركية وأدى إلى تصعيد عسكري ضد الأكراد في الداخل والخارج.

• التوتر الطائفي: الدور التركي في دعم جماعات إسلامية داخل سوريا زاد من حالة الانقسام الطائفي داخل تركيا نفسها، خاصة بين العلويين الذين يرون في هذه السياسات خطرًا على استقرارهم وهويتهم.
الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على التماسك الاجتماعي

مع تصاعد التوترات الداخلية الناتجة عن التركيبة السكانية والأزمات الخارجية، جاء الانهيار الاقتصادي ليزيد من عمق الأزمة. التضخم المتسارع، انهيار الليرة التركية، وارتفاع معدلات البطالة كلها عوامل ساهمت في تفاقم التوترات بين مكونات الشعب التركي، حيث يتبادل الجميع الاتهامات بالمسؤولية عن هذا الوضع المتردي.
نهاية النظام المركزي؟

إن التركيبة السكانية المتعددة والأزمات المتلاحقة تُظهر أن تركيا ليست دولة قائمة على الوحدة العرقية أو الدينية، بل هي خليط هش من الأقليات التي تتعايش تحت ضغط نظام مركزي يفرض هيمنته. ومع استمرار الارتدادات السورية وتفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية، قد نشهد تغييرات جذرية في النظام التركي، خاصة إذا استمرت مكونات المجتمع في المطالبة بحقوقها الثقافية والسياسية.

تركيا اليوم ليست كما يُصوّرها الخطاب الرسمي، بل هي دولة أقليات متعددة، تعيش في ظل أزمات داخلية وخارجية متشابكة.

ومع استمرار ارتدادات الأزمة السورية، تبدو هذه التصدعات مرشحة للتوسع، مما قد يؤدي إلى تحولات كبرى تهدد استقرار تركيا كنظام موحد وتفتح الباب أمام سيناريوهات غير متوقعة.

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى