دينارنا عنوانُ سيادتنا

كتب باقر صاحب: يمكن القول – مجازاً- إن المواطن العراقي يعاني من صداعٍ مزمنٍ اسمه الدولار، بسبب اعتماده كعملةٍ رئيسةٍ في التعاملات التجارية الداخلية، فضلاً عن التحويلات الخارجية لتأمين استيراد السلع والبضائع إلى الداخل، وعدم اتّخاذ إجراءاتٍ صارمةٍ لإيقاف عملياتٍ غير شرعيةٍ مثل تهريب عملة الدولار عبر المنافذ الحدودية مع بعض دول الجوار.

 

ما يجعل أميركا غاضبةَ دائماً من قضية التهريب، ويفتح لها الباب على مصراعيه في التحكم الكامل في الاقتصاد العراقي، ودخول الدولار إلى العراق وخروجه منه، واتخاذ إجراءاتٍ عقابيةٍ صارمةٍ بحق مصارف عراقية، بحسب المزاعم الأميركية، تعمل على تهريب مبالغ هائلةٍ بالدولار إلى بعض دول الجوار، فضلاً عن مضاربات السوق الموازية لبيع الدولار، واحتكاره، كي يقلَّ العرض ويزداد الطلب، من أجل بيعه بالأسعار التي يفرضها المضاربون.

كلّ ما ذكرناه يسهم بشكلٍ رئيس، في خفض قيمة عملتنا الوطنية، وزيادة التضخم وصعود سعر الدولار، بسبب شحّة العرض وزيادة الطلب، هذا الارتفاع، كما هو معروف، يسبّب زيادة أسعار جميع السلع والبضائع في الأسواق العراقية، والضحية جرّاء ذلك المواطنون البسطاء، هم وعوائلهم، موظفين ومتقاعدين وعمالاً وكسبة.

والمفارقة إنه اذا انخفض الدولار، فإن أصحاب المحال التجارية، بجميع أنواعها، جملة ومفرداً، لا يخفّضون أسعار بضائعهم، بحجّة أنَّ أسعار الدولار في تذبذب، صعوداً ونزولاً.

إن تدخّل أميركا بالاقتصاد العراقي، من خلال نافذة أزمة الدولار، مثلاً، يجعل سيادة العراق منقوصة، وهذا ما يسبّبُ غصّةً كبيرةً لكلّ العراقيين الشرفاء الذي يحبّون وطنهم، ولذلك يأتي الإجراء الجديد الذي أعلنه البنك المركزي العراقي، مؤخراً، على لسان محافظه علي العلاق، ونقلته” واع” و”قناة الحرة”، بأنَّ “العراق سيقصر جميع التعاملات التجارية الداخلية وغيرها على عملته الدينار، بدلاً من الدولار، اعتباراً من العام المقبل”، على النّحو الذي يمكن وصفه بالإجراء الإيجابي، على أن يرافقه تطبيقٌ حازمٌ، ليأتي اقتصار التعامل بالدولار على التحويلات الخارجية فعلاً وليس قولاً.

التطبيق الحقيقي لهذا الإجراء له تأتيراتٌ فعلية، في صعود قيمة الدينار العراقي إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، مقابل انخفاضٍ حادٍّ في سعر الدولار، لأنَّ الانعدام التّام في التعامل به في الأسواق العراقية، قد تجعل قيمته أقلَّ مما هو مقرّرٌ في الموازنة الثلاثية 1320 ديناراً للدولار الواحد، ما يسبب انخفاضاً هائلاً في أسعار السلع والبضائع.

ولنكن مثاليين، ونقول إن هذا الأمر، لو حصل فعلاً بشكل صحيحٍ وجدّي، سيدخل الغبطة في قلوب العراقيين، فارتفاع قيمة عملتنا، سيحسّن من المستويات المعيشية لقطّاعاتٍ كبيرةٍ من الشعب. إنّ طرد شبح الدولار المفقر لجيوب العراقيين، يعني ارتفاع معنويات الناس وإقبالهم على أعمالهم الحكوميَّة والأهلية بهمةٍ ونشاط، لأن هناك شعور بالجّدوى الماديّة في نهاية كلِّ يوم عمل.

تسيّد الدينار في أسواقنا، ونبذ الشعور بعدم الثقة بعملتنا الوطنية لهما معنى أنّ سيادتَنا المنقوصة في طورها إلى الاكتمال رافعين شعار ” دينارنا عنوان سيادتنا”، لأنّ الدينار العراقي سيحتلُّ مكانه، كما في سبعينيات القرن الماضي، حين كان الدينار الواحد يساوي أكثر من ثلاثة دولارات، في سلّة العملات الرئيسة في الشرق الأوسط، مثله مثل الدرهم الإماراتي والريال السعودي..

وهنا لابد أن أشير إلى ضرورة تطبيق إجراءٍ آخر، يسهم في انعاش المستوى المعيشي لقطاعات الشعب كافّة، خاصّة ذات المتوسطة الدخل، وهو إجراءٌ يتمثّل في التحسين الكمّي والنوعي لمواد البطاقة التموينية، التي تعوّل عليها ملايين العوامل ذات المستويات المعيشية المتواضعة، ذكرنا ذلك الإجراء في موضوعة مقالاتنا عن تسيّد عملتنا الوطنية، لأنّ كليهما يكمل الآخر، بالإسهام في انخفاض السلع والبضائع كافّة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي لتكون الطريق مُمهّدةً في تحقيق عملية الإصلاح في مجالات الحياة العراقية كافة.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى