سر المأساة
كتب: د. كريم شغيدل: يقال إن المخرج الإنكليزي بيتر بروك المولع بإخراج المسرحيات على فضاءات مفتوحة، لا سيما أعمال شكسبير، أدهشته ردود أفعال الناس وتعاطفهم وتفاعلهم مع مأساة كربلاء. خلال طقوس التعزية (التشابيه) التي شاهدها في إيران.
وقال ما معناه هذا هو المسرح الذي أبحث عنه. كيف لواقعة أن يتم تجسيدها سنوياً بالأحداث ذاتها والشخصيات نفسها ويبقى تفاعل المتفرجين قائماً كما هو، لقد تأثرنا ببعض الأفلام أو المسرحيات أو ببعض المشاهد منها، لكن سرعان ما يخفت وميض التفاعل بالتكرار. والسؤال هنا: هل يمكن أن يخفت أو ينطفئ ويختفي تفاعلنا مع مأساة كربلاء بالتقادم أو التكرار؟
ويقال أيضاً أن الإيرانيين اتفقوا أن يعدوا لبيتر بروك عرضاً آخر على خشبة المسرح، وحين شاهد ذلك العرض الذي توفرت فيه العناصر الفنية والتقنية والأداء التمثيلي.
قال بما معناه: ما جئت من أجل هذا، وإنما من أجل ذلك العرض الطقوسي الذي كانت وما تزال الناس تتفاعل معه كلما شاهدوه أو استذكروه منذ نحو 1400 سنة. فقضية كربلاء ليست مجرد واقعة تاريخية كبقية الوقائع. وإنما هي مأساة إنسانية ذات محمول ديني وعاطفي. وهي جزء من وجدان أمة، ومفصل تاريخي وثقافي شكل خلفية أخلاقية وأيديولوجية لمفهوم الحاكم والمحكوم. كما شكل مرجعية فكرية لمفهوم الثورة.
نستذكر سنوياً واقعة الطف، ونكتب عنها، ونستمع لوقائعها المريرة، ونستذكر صمود الإمام الحسين وأخيه العباس وأبنائه وأصحابه، ونستعيد قاموس المبادئ الحسينية. ونتلقى الدروس والعبر ذاتها، كما أننا نستعيد الشعائر ذاتها، والقصائد نفسها. والرثاءات عينها. وفي وعينا أننا نعرف هذا، ونحفظه عن ظهر قلب، لكننا ننفعل. ونتأثر، ونتفاعل حد البكاء، من منا لم يسمع بقصة الطفل الرضيع عبد الله بن الحسين. أو بقصة الطفلة رقية، أو بمقتل علي الأكبر أو القاسم.
من منا لم يحفظ ما حدث لأبي الفضل العباس، وقصته مع الماء، وتقطيع كفيه وما آلت إليه الأمور بمقتل الإمام الحسين وسلبه ملابسه والصعود على صدره الشريف بحوافر الخيل وقطع إصبعه من أجل خاتم. لكننا في كل مرة نسمعها بتفاعل جديد. وكأننا نسمعها لأول مرة فأين يكمن السر؟