شريكان
كتب طالب سعدون: التاريخ سيقف أمام لبنان طويلاً، وهو يكتب بمداد الذهب صفحات هذه المعركة الخالدة، التي استمرت سنة ولا يزال أمامها زمن (قصر أم طال) سينتهي حتماً بهزيمة استراتيجية للحليفين (إسرائيل وأمريكا) ومن معهما..
كان يمكن للبنان أن يكون غير لبنان اليوم، الذي يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية، لو سار في ركب المطبعين وما أكثرهم، لولا صمود المقاومة وبسالتها، التي منعت امتداد هذا الوباء الفيروسي اللعين اليه، أو يستجيب أو يطمع في إغراءاته، ومع ذلك لم يتأثر (لمناعته) القوية ضد هذه الفيروسات، فأخذ نصيبه التاريخي في هذه المعركة بجدارة وتوجها بالشهادة، كما استحقها في معارك كثيرة سابقة، ولم تقف المقاومة تتفرج على ما تتعرض له أختها غزة البطلة..
فقد أعلن لبنان على لسانها إنه شريك لغزة في كل شيء.. في الدم والتضحية والجهاد والبطولة والقتال، وقد فتحا معاً نيرانهما صوب العدو، وكان أحدهما يكمل الآخر في تسديد الضربات القاتلة له.. وعبَّر الاثنان بجدارة واستحقاق عاليين حدود الطائفية والمذهبية والقومية والعرقية والتقسيمات الضيقة، التي زرعها المحتل ويريد أن يعيدها من جديد، فوقفا سداً منيعاً في وجهه وعبرا بالقضية معاً إلى العالمية..
أطفال غزة ولبنان ونساؤهم وشيوخهم شركاء في هذا المجد والنصر، وقد اختلطت الدماء وتشابهت آثار الدمار على الأرض بين الجبهتين.. وستكون من علامات التاريخ الشاخصة، تحكي للأجيال قصة صمود وفداء، كما هي آثار المسلمين على مدى قرون إلى اليوم وتبقى ما دامت الأرض تدور، تحكي قصة رسالة لا تعرف حدود الزمان والمكان وجهاد مؤمنين أشداء في سبيل تحقيق هذه الرسالة العظيمة، فكتب التاريخ أسماءهم وتتردد على الألسن ما دام الآذان يكبر لله على الأرض إلى أن تقوم الساعة.
هكذا هي المقاومة أيضاً رسالة رديفها التضحيات وأعلى درجاتها الموت، وهو شيء مقدس عند كل المقاومات، مهما اختلفت مرجعياتها الفكرية أو العقائدية، وهدفه واحد عندها جميعاً وهو تحرير الأرض من المحتل وأعلاها مرتبة الشهادة، التي يجتمع فيها الجانبان العقائدي والوطني، ويلتقيان على هدف التحرير، ولذلك فإن العامل الأساس في هزيمة المحتل هو الموت أو الشهادة عند المؤمنين..
الموت أو الشهادة يجعل المقاوم حياً في الذاكرة ونموذجاً يحتذى به في الدفاع عن الأرض ونبراساً لكل عشاق الحياة.. المقاومة فكر وعقيدة.. والأفكار العظيمة لا تموت، كما هو الإنسان، الذي يموت دفاعاً عن وطنه وقضية شعب يؤمن بها سوف يبقى حياً في الضمائر الحية.. وشتان ما بين دماء طاهرة سالت دفاعاً عن الأرض والعرض، ودماء تحولت إلى ماء وضمائر ماتت.. لم تسمح المقاومة لنفسها بأن يكون لبنان في خندق التطبيع مع العدو، بل في الخندق المقاوم وتتوحد الأرض والدم والتضحيات، ويكون شريكاً فاعلاً في قتال العدو ويمد إخوانه في غزة بما يمكنهم من الصمود والنصر.