أخر الأخبار

عندما لا تأتي سيارة الإسعاف

كتب د.صادق كاظم: تحصل حوادث كثيرة في الشوارع وأغلبها حالات دهس وتصادم ومعظم هذه الحوادث تشهد هروب الجناة، الذين لا يتوقفون لإنقاذ ضحاياهم، وكذلك المواطنون العابرون في الشوارع والمارين بالقرب من مكان الحوادث الذين يتركون الجرحى على حالهم، حيث أنهم يحجمون عن الإنقاذ ومد يد المساعدة، مما يجعل الضحايا يفقدون حياتهم بسبب تأخر وصولهم إلى المستشفى بالسرعة الممكنة.

 

هناك أسباب عديدة تجعل من هذا السلوك شائعاً ومعتاداً لدى الشارع العراقي، بعد أن كانت في الماضي قليلة أو معدومة والتي كانت قد جعلت من النخوة العراقية أمراً مثيراً للاعتزاز والفخر والتي لا يزال يضرب بها المثل كثيراً.

هناك أسباب عديدة تقف وراء هذا التحول الاجتماعي الخطير وانحسار وتراجع ظاهرة النخوة، رغم الثراء المزدحم بها وجدانياً داخل أعماق كل مواطن عراقي، والتي من أبرزها الاستخفاف والاستهتار بالقانون والآليات المعقدة التي تصاحب تطبيقه في مثل هذه الحالات، والقسم الآخر يعود إلى الخوف من المطالبات العشائرية بالتعويضات الخيالية التي تصل أحياناً إلى أرقام فلكية، إضافة إلى أن الأجهزة الأمنية تتبنى إجراءات معقدة وطويلة، عندما يجلب المنقذون الضحايا إلى المستشفيات، حيث يتعرضون إلى عمليات تحقيق وربما السجن لحين التأكد من براءتهم وهو ما يستغرق وقتاً طويلاً وربما أحياناً يتهم المنقذون والمسعفون بأنهم وراء الحادث، وهو ما سيعني تعرضهم إلى السجن والعقوبات.

هذا التحول الاجتماعي الغريب على الشعب العراقي بات وللأسف سلوكاً مشاعاً، بل وأخذ يدخل في زاوية الابتزاز المالي، إذ كثيراً ما يتعرض مواطنون ممن قادتهم الصدف أثناء قيامهم بمبادرات إنسانية لإنقاذ الضحايا واتهموا ظلماً بأنهم المتسببون بها، إلى عمليات ابتزاز مالية تحت ادعاءات تغطية مصاريف العلاج وبقيم مالية باهظة، وهي كلها سيناريوهات يعدها كبار مافيات التعويضات العشائرية، التي تستغل مثل هذه الحوادث للتحرك واستخدام أساليبها المعروفة باستخدام التهديدات، من أجل فرض الأتاوات والتعويضات المزيفة، وهو أسلوب تتقنه هذه المافيات بمهارة تدربت عليها كثيراً وتقوم بممارستها بين الحين والآخر، عند حصول مثل هذه الحوادث وتستغل تراخي القانون وخوف الضحايا لتمرير أفعالها.

من الواضح أن عدم تغيير إجراءات التحقيق في الحوادث وعدم اتباع أساليب أكثر مرونة في مثل هذه المواقف، مع عدم تشكيل مديريات للإسعاف الفوري مجهزة بكوادر طبية، يمكن لها أن تتحرك على الفور عند تلقيها أية بلاغات عن حوادث دهس أو تصادم في الطرقات والشوارع المختلفة، وتعرض المواطنين المسعفين إلى التحقيقات الجنائية وتبعاتها، فضلاً عن عدم وجود تشريعات قانونية تخفف العقوبة عن المتسببين بالحوادث، في حال تحركهم لإنقاذ المصابين عند وقوع الحوادث.

كلها عوامل تتسبب في استمرار هذه الظاهرة وتفاقمها مما يتطلب ضرورة التحرك الفاعل والجاد قانونياً لمحاسبة مافيات التعويضات العشائرية المزيفة، التي تعتاش على مثل هذه الحوادث وتسيء إلى القيم الاجتماعية والأخلاقية الأصيلة لدى الشعب العراقي، فضلاً عن تسببها في تهديدات تخل بالأمن والسلم المجتمعي والأهلي.

إن الاكتفاء بإدانة هذه السلوكيات وعدم معالجتها وإيجاد الحلول لها، سيعني تفاقمها واستمرارها ووقوع المزيد من الضحايا الأبرياء نتيجة لذلك، فما ذنب من بسقط جريحاً نتيجة لحادث ما ويترك لوحده يعاني من الإصابات وربما يفقد حياته نتيجة لتأخر المسعفين عنه أو خوفهم من الإجراءات القانونية وغيرها، في حال إقدامهم على إسعافه ونقله.

بالتأكيد أن الحلول ممكنة وموجودة لو توفرت الإرادات لتحقيقها مثل أن توفير سيارة إسعاف مهما غلا ثمنها لن يعادل حياة مواطن عراقي ستفرح عائلته بالتأكيد، لو تم إنقاذه وإسعادها بنجاته.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى