فاسيلي ستالين ’الحياة المزرية’
في أوج قوته، كان جوزيف ستالين يحكم نحو 200 مليون مواطن سوفييتي، ويسطر على ما يقرب من سدس مساحة سطح الأرض، لكن نظامه كان وحشياً، و أن شخصية ديكتاتور حكم الاتحاد السوفييتي لأكثر من عقدين من الزمان أثرت على الكثير من الأشخاص حوله ، بمن فيهم ابنه الثاني فاسيلي ستالين، لكن على عكس ما قد نتوقعه عن ابن ديكتاتور حسب العالم كله حساباً لقراراته.
فاسيلي ستالين الابن الثاني للديكتاتور الذي رباه الحراس والمربيات
حين وُلِدَ فاسيلي جوغاشفيلي في 21 مارس/آذار 1921، كان والده لا يزال تابعاً لفلاديمير لينين، أول زعيم لروسيا السوفييتية. كانت والدته، ناديجدا أليلوييفا، هي الزوجة الثانية لجوزيف ستالين، وهو الابن الثاني لستالين.
الأم؛ أليلوييفا عكانت عضوةً مخلصةً في الحزب الشيوعي، وعملت في البداية سكرتيرةً للمعارض الروسي الماركسي فلاديمير لينين. لكن ستالين كان يتوقَّع منها البقاء في المنزل وتربية فاسيلي، لكنها لم تحب هذا الأمر، لذلك قرر ستالين إجبارها على ذلك بطريقة أخرى؛ وهي طرد أليلوييفا من الحزب بعد بضعة أشهر من ولادة فاسيلي.
لكن هذا لم يمنع أليلوييفا من العمل من أجل احتراف مهنةٍ لها، ووظَّفَت أليلوييفا مربيةً للعناية بفاسيلي وشقيقته سفيتلانا، رغم اعتراضات ستالين. ومع ابتعاد والدته ومُتطلَّبات منصب والده، لم يلق فاسيلي إلا القليل من الاهتمام من أيِّ شخصٍ باستثناء المربيات والحرَّاس الذين أحاطوا به.
سرعان ما ظهرت آثار هذا الإهمال، إذ كتبت أخته إنه؛ “كان يحب تدمير الأشياء. كان يأخذ الدُمى الخاصة بي أو يقطع الزهور التي زرعناها.. كان يحتقرني”.
وكتب عليه أن تزداد طفولته سوءاً، عندما انتحرت والدته، ففي إحدى ليالي عام 1932، في ذكرى الثورة البلشفية التي أتت بوالده إلى السلطة، تشاجر والدا فاسيلي. وبعد ساعات، عُثِرَ على أليلوييفا، التي كانت تتوق لترك زوجها، ميِّتةً بعد أن أطلقت على نفسها رصاصةً أصابت قلبها مباشرةً.
وفاة والدة فاسيلي وهو بعمر الـ 11، جعلته يصبح أعنف وأكثر عصبيةً وتمرُّداً ولم يكن أحدٌ حوله يجرؤ على تقويم أفعاله، ودفعه هذا الخبر الذي “دمره تماماً” إلى بدء شرب الخمر وهو في سنِّ الـ13 عاماً. خصوصاً أنه لم يعلم الطفلان حقيقة الانتحار إلا بعد مرور 10 سنوات، لأن والدهما أخفى الأمر عنهما، كما أورد موقع All That’s Interesting.
في عام 1938، ومع انتهاء أيام مدرسة فاسيلي، قرَّرَ أن يصبح طياراً في سلاح الجو السوفييتي، لكن كيف تكون حياة نجل الزعيم الذي بدا عليه كرهه لتحمل المسؤولية؟ بالطبع مرفهة لا يفعل شيئاً، يمتلك القوة، ويعيش في أماكن مميزة، ويتناول طعاماً فاخراً، بأمرٍ من رئيس الشرطة السرية، لافرينتي بيريا.
لكن ستالين الأب أراد لابنه حياة عسكرية جادة، لذلك أمر بنقل الشاب البالغ من العمر 18 عاماً إلى الثكنة مع المتدرِّبين الآخرين وأن يحصل على نفس الحصص مثل أيِّ شخصٍ آخر، إلا أن فاسيلي لم يحب كثيراً الحياة العسكرية، حيث كان يشرب الخمر ويطارد النساء في كثيرٍ من الأحيان، كما كان مكروهاً من زملائه الضباط، الذين اعتقدوا أنه أبلغ والده عنهم، وكانوا محقين في ذلك.
زواج دون إذن الأب الذي أشفق على “زوجة الأحمق”
في عمر الـ 19، التقى فاسيلي بزوجته الأولى، غالينا بوردنسكايا، وتزوجها دون علم ستالين، الذي أرسل لابنه خطاباً بمجرد معرفته بالخبر بالصدفة، إذ كتب بقلم رصاصٍ أحمر: “لماذا لم تطلب إذني بالزواج؟ حسناً، فلتذهب إلى الشيطان. أنا أشفق عليها؛ لقد تزوَّجَت من أحمق”.
أُمِرَ الزوجان الشابان بالانتقال إلى الكرملين، حيث قضيا فترةً وجيزةً من السعادة، ورُزِقا بطفلين، قبل أن ينتكس فاسيلي إلى الإفراط في شرب الخمر والعلاقات خارج إطار الزواج، ما أنهى زواج فاسيلي سريعاً.
جنرال في الحرب العالمية الثانية
حياة فاسيلي العسكرية أيضاً لم تكن في أحسن أحوالها، فعندما بدأت الحرب العالمية الثانية، انضم أولاد ستالين إلى الجيش السوفييتي من أول يوم، إذ انضم أخوه الأكبر غير الشقيق -من زواج ستالين الأول- ياكوف، وانضم أيضاً رتيوم سيرجيف، ابن ستالين بالتبني، وكان على فاسيلي الأمر نفسه.
لكن فاسيلي لم يشارك فعلياً في الحرب، إذ خاف والده مما قد يحل به بسبب ابنه “الفاشل”، خصوصاً أن ياكوف، أُسِرَ على يد الألمان، في يوليو/تموز 1941، وهو ما كان بمثابة إذلالٍ لوالده الذي أمر بعدم استسلام القوات السوفييتية تحت أيِّ ظرفٍ من الظروف، ومع ذلك، بدأ يُدفَع باطرادٍ إلى الترقي، إذ نال رتبة نقيب، ثم رائد، وأخيراً عقيد، وكلُّ ذلك في غضون عامٍ واحد، وكان سبب ذلك مفهوماً، إذ كان كبار الضباط يأملون كسب ودِّ والده.
رغم كلِّ هذه الترقيات، لم يكن فاسيلي ضابطاً نموذجياً. ووفقاً لجنديٍّ زميل له، “كان فاسيلي يشرب الخمر بإفراطٍ كلَّ يومٍ تقريباً، ولم يحضر إلى الخدمة لأسابيع متتالية، ولم يسعه أن يترك النساء”.
لكنه في النهاية شارك مشاركة صورية ناجحة نوعاً ما، فحين بدأ تيار الحرب يتحوَّل ببطءٍ لصالح السوفييت، رضخ ستالين وسمح لابنه بالعودة إلى الخدمة الفعلية مع فوجٍ مقاتل. وسرعان ما أثبت فاسيلي نفسه في القتال، وأسقط طائرتين ألمانيَّتين.
انتهاء الحرب وعودة الحياة الماجنة
فاسيلي كان محباً لهوكي الجليد، وأصبح في النهاية مدرِّباً للفريق الروسي، لكن حياته الرياضية أيضاً كانت حافلة بالمشاكل، ففي عام 1950، مات كلُّ أفراد الفريق في حادث تحطُّم طائرة، وخوفاً من رد فعل والده، فقد تستَّر فاسيلي على الحادث المأساوي، وحل الأزمة باختيار لاعبين أصغر سناً ليحلوا محل اللاعبين السابقين.
كان فاسيلي مستمراً بشكل أو بآخر في الترقي بالرتب العسكرية، إذ أصبح فريقاً، وكان يأمل أن يقود القوات الجوية في موسكو، وهي مهمة لم تكن لديه الخبرة ولا المعرفة اللازمة لها، كما لم يكن يحضر أيِّ تدريب مُتوقَّع أن يحضره الجنرالات عادةً.
في 1 مايو/أيَّار 1952، بينما كان في حالة سُكرٍ شديدة، أمر برحلةٍ جوية على الرغم من الطقس السيئ، وهو القرار الذي أدَّى إلى وفاة طيَّارَين أثناء تحطُّم الطائرة. غضب ستالين لذلك وجرَّد ابنه من رتبته، كما أشار موقع The Famouse People.
التجريد من الرتب، والمساءلة المتأخرة
رغم كراهية والده له وتجاهله إياه، كان فاسيلي يتمتَّع دائماً بحمايةٍ من كبار القادة السوفيت، لكنها توقَّف حين تُوفِّيَ جوزيف ستالين في 5 مارس/آذار 1953. ففجأة، لم يعد المتملِّقون الذين تودَّدوا إلى ابن الرئيس السوفييتي بحاجةٍ إليه، وسرعان ما اتُّهِمَ فاسيلي بالإهمال الجنائي واختلاس أموال عسكرية لإشباع نهمه لشرب الخمر أثناء الحرب، ومن دون حماية والده، جرَّد الرئيس اللاحق نيكيتا خروتشوف فاسيلي ستالين من رتبته وجوائزه وأمواله وحريته، وألقاه في سجن ليفورتوفو.
وعندما ساءت صحة فاسيلي في السجن، أشفق عليه خروتشوف، وأطلق سراحه في يناير/كانون الثاني 1960 قبل انتهاء مدة سجنه. وعُرِضَ عليه معاشٌ تقاعدي وحقٌ في ارتداء زيه القديم.
لكن بمجرد خروجه من السجن، سرعان ما عاد إلى الخمر، ودمَّرَ ما تبقَّى من صحته، إذ تُوفِّيَ فاسيلي ستالين قبل يومين من عيد الميلاده الحادي والأربعين عام 1962، وأنهى بذلك ملحمته المُعذَّبة.
المصدر: عربي بوست