كتبت ميادة سفر: مظاهر التوظيف
مع عبارة “موظفة حسنة المظهر” تحول الجمال الى مطلب أساسي في التوظيف والعمل، وازداد تأطير المرأة وتحجيمها، فضلاً عن أنّ كثيرات يمكن أن يفقدن أعمالهن بسبب تغير ملامحهن مع التقدم بالعمر وفقدان شكلهن الجميل.
لاسيما في الأعمال التي ترتكز على الصورة. وقد ترافق التركيز على الجمال مع ظهور عشرات الفاشينستا اللواتي تقتصر حياتهن على الأزياء والمكياج والصور ووسائل التواصل الاجتماعي. ما دفع الكثير من الفتيات لتقليدهن. وتحولت بعضهن إلى مثل أعلى فارغ. لا شيء سوى تسريحة الشعر والمكياج واللباس والمقاسات “الستاندرد” التي وضعت لتتقيد بها النساء وإلا فلتخرج من دائرة الضوء. لأنها لم تعد تتوافق مع معايير “الجودة” الجمالية.
لم يحلُ للبعض حصول المرأة على بعض من حقوقها بعد سنوات طويلة من النضال. وتمكنها من امتلاك ناصية البداية لتحقيق أحلامها. ليتم إيجاد قيود جديدة مزينة وملونة وبروائح عطرة ساهمت وسائل الإعلام والإعلان والتواصل الاجتماعي في الترويج لها. عبر خلق “أسطورة الجمال” وتحويلها إلى نظام قائم بحد ذاته تقاس فيه قيمة المرأة ومكانتها. وفقاً لدرجات الجمال التي تنالها، وأجبرت فيه المرأة على إنفاق مبالغ طائلة لترضي المجتمع الذي تعيش به. وتحول هم البعض منهن إلى استقطاب أكبر عدد من المعجبين. وأصبحت الهوية التي يحاولن إثباتها قائمة على معدل الجمال وليس على معدلات الدراسة والتعليم. إذ انشغلت الكثيرات بأجسادهن وأجساد الأخريات.. أيهن أجمل؟!
ساهمت المرأة في بعض الجوانب في تعزيز هذا الإطار الجديد الذي فرض عليها. حين تتكل على مجرد امتلاكها لجسد جميل في الحصول على العمل. وغالباً ما ينحصر في مجالات ووظائف محددة حيث لا تمتلك المرأة أية مقومات فكرية وعلمية. ليبدأ استغلالها والضغط علها. وتضطر للقبول بظروف عمل سيئة وتحمل ممارسات تصل في بعض الأحيان لتكون لا أخلاقية.
من أجل ألا تتحول المرأة إلى سلعة، أو أداة لترويج السلع، أو تقديم التنازلات للحصول على عمل أو مزايا. عليها الاستثمار في التعليم والفكر والحصول على الشهادات العلمية أو الحرفية التي تمكنها من خوض مجال العمل بثقة وقوة أكبر، لأن الجميلات هن الذكيات اللواتي بإمكانهن العبث بمعايير المجتمع وتغييرها والجلوس في الأماكن التي تناسبهن، وما عليها إلا كسر القيود التي أحيط بها جسدها. وتقديم نفسها كإنسان يمتلك مميزات مثلها مثل الرجل تؤهلها لتبوئ أعلى المراتب وفقاً لتقييمات العمل لا مقاييس الخصر.
هي ليست دعوة إلى البشاعة والقبح والإهمال. بل محاولة لنجعل الاهتمام بالجمال أمراً روتينياً لمن يرغبن وليس هوساً وهاجساً مقلقاً يدمر حياة البعض. ويسرق منهن الوقت ويشغلهن عن أمور أكثر أهمية. ولتنذكر أنه قبل أكثر من نصف قرن قامت تظاهرات ضد الصورة النمطية التي بدء بترويجها للمرأة، حين ألقت المشاركات المكانس وأقلام الحمرة والأحذية ذات الكعب العالي بما عرف في حينه “حاوية قمامة الحرية” في محاولة للتخلص من أشياء تقيد المرأة وتقمعها، واليوم ثمة أشياء كثيرة على المرأة إلقاؤها في سلة القمامة وتحرير حياتها منها. والعيش بطبيعتها التي ترتاح لها وتعلي من شأنها علمياً ومعرفياً أياً كان مظهرها.