كيف تعاملت تكنولوجيا المعلومات مع جائحة كورونا؟

كان ظهور جائحة كورونا في زمن تصاعد فيه دور تكنولوجيا المعلومات وتقنية الحواسيب، وعلت فيه مراتب مشاريع الشركات والمؤسسات المعلوماتية وأبحاثها ومنتجاتها إلى رأس الهرم العالمي في الإمكانات والتأثير والدور الاقتصادي والعلمي.

 

فقبل بدء الجائحة كانت المنتجات المعلوماتية والحواسيب بمختلف أحجامها وإمكاناتها ونطاق عملها تسابق الزمن في تقديم الحلول والمبادرات في مجال الرعاية الصحية، فكان لزاما أن تقدم ما لديها في المعركة مع الجائحة وآثارها المختلفة وأن توظف إمكاناتها الهائلة في اغتنام اللحظة التاريخية.

 

اقتضت الطبيعة الملحّة للجائحة مع وجود محاذير للتنقل والسفر واللقاءات بين الناس أن يتوسع استخدام الأساليب غير التقليدية في جمع البيانات ومشاركتها والإسراع باستخراج النتائج العاجلة، ونشر المعلومات عن الجائحة وانتشارها، والأدوية وفعاليتها، واللقاحات وأعراضها، ومن أجل هذه الاعتبارات ومع ضخامة ما كان يتوفر من بيانات باضطراد سريع وكثيف، كان التوسع في استخدام تكنولوجيا علم البيانات، والبيانات الضخمة، والذكاء الصناعي، والبنى التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضروريا وفعالا في ما تم التوصل إليه من إنجازات علمية خلال السنتين الماضيتين من أجل تحقيق غايات أساسية تتمثل في احتواء الوباء وإيقافه والسيطرة عليه.

 

مثلت حرب المعلومات بين التوجهات المتعددة والمختلفة سلاحا مهمًّا في الحصول على ثقة الجمهور، وحشد المؤيدين، وعزل المشككين، وإقناع المترددين، وتطلّب ذلك معلومات دقيقة وسريعة وهذه معضلة بحد ذاته

 

وكان اللجوء إلى التقنيات الحديثة في مجال نشر المعلومات والإحصاءات عن الوباء وعرضها وتحليلها سريعا ومصاحبا لإعلان منظمة الصحة العالمية تفشي الجائحة، والاعتراف العالمي بها، ثم كانت الاستفادة من البيانات التي توفرها سجلات شبكات الاتصالات، والهواتف النقالة، وأنظمة تحديد المواقع الجغرافية لحركة البشر وانتشار الأحداث، وتم التوسع باستخدام تطبيقات الهواتف النقالة في جمع البيانات ومشاركتها وإرسال التنبيهات والإنذارات المبكرة عن الجائحة من أجل رصد المناطق الساخنة وتحديدها ومحاصرتها، ثم في تنظيم توزيع اللقاحات.

 

وفضلا عن البيانات المنظمة من أبحاث وسجلات طبية، وبيانات جغرافية استفادت بعض التطبيقات من بيانات منصات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، والتقارير الإخبارية في توجيه أنظمة الإنذار المبكر وتزويد مسائل اتخاذ القرار بما يتوفر من معلومات ومحاولة التغلب على ما يكدر هذه البيانات من إشاعات وأكاذيب وهذر وتضليل، ومن ثم دُمجت البيانات المنتظمة الشكل الموثوقة المصدر مع البيانات غير المنتظمة من حيث التصميم وغير محددة المصدر من أجل تغذية الخوارزميات الذكية في بناء وتحديث النماذج الرياضية لتطور الجائحة، وتقدير فعالية إجراءات المكافحة والعلاجات واللقاحات، والتنبؤ بتطور انتشار الجائحة المكاني والزماني باستخدام تلك النماذج.

 

الدراسات العلمية والأبحاث الأكاديمية المرتبطة بعلوم البيانات، والذكاء الصناعي، والبيانات الضخمة حاولت مواكبة الظروف والمعطيات لتقديم حلول وتوصيات وتطبيقات ونماذج رياضية وفق تقدم الجائحة ومتطلبات مكافحتها، فاعتنى بعضها بالتشخيص حين شحّت أدوات الفحص المعتمدة (PCR) من خلال الأعراض والتصوير المحوسب، وركزت أخرى على تقدير قيمة الخطر والتنبؤ به، وتوجهت أخرى إلى الإسهام في دعم صناعة القرار واختيار الإجراءات وفق بعض التصنيفات.

 

 

وقد مثلت حرب المعلومات بين التوجهات المتعددة والمختلفة سلاحا مهمًّا في الحصول على ثقة الجمهور، وحشد المؤيدين، وعزل المشككين، وإقناع المترددين، وتطلّب ذلك معلومات دقيقة وسريعة وهذه معضلة بحد ذاتها، فكيف إذا أضيفت إليها القرارات الموفقة، ولكن كان لا بد من خوض هذا التحدي والموازنة على الحبل الدقيق الذي يجمع بين هذه المفارقات، وهنا كان الاعتماد على سرعة الحواسيب ودقتها يزداد لمدّ يد العون للباحث والممارس ومتخذ القرار حين تكون المجازفة ضرورية، والموازنة بين السيئ والأسوأ عاجلة وملحّة، وليس ثمة فسحة للروية والأناة.

 

الواقع يقول إن الفصل بين المنظومة الصحية ممارسة وبحثا لم يعد بمعزل عن تقنية المعلومات والحوسبة فقد أصبحت التقنيات جزءا من العمليات الصحية، إذ عززت شهور الجائحة ما هو ملموس من حقيقة أن أي مؤسسة صحية حديثة هي مؤسسة معلوماتية بالضرورة، فمع تزايد الاعتماد على البيانات بمختلف أشكالها في التشخيص والعلاج أصبح التمازج والتكامل بين المعلومات والرعاية الصحية عملية دائمة تتطور بالتدريب، والهيكلة الوظيفية، واستحداث مواقع ووظائف تسهم في تحقيق التكامل والدمج بين ما هو طب وصيدلة وتمريض وتغذية، وما هو معلومات وحواسيب وأنظمة وتطبيقات.

 

إن معايير النظام الصحي بعد كورونا ليست مثلها قبل كورونا، وفي القلب من هذا التحول تقنيات وعلوم البيانات والبيانات الضخمة المحوسبة والذكاء الصناعي المدمجة مع جميع مراحل الرعاية الصحية وعملياتها، وهو عصر كنا نسير اليه بتؤدة ولكننا دفعنا إليه طوعًا وكرهًا.

 

الكاتب: عاصم منصور مدير مركز الحسين للسرطان في الأردن

زر الذهاب إلى الأعلى