ما بين الرأي والجهل
كتب حسب الله يحيى: الجميع يتحدثون عن الاستثمار، والفساد، والمخدرات، والبنى التحتية، وسواها من المفاهيم والمفردات التي لا شأن للكثيرين بها، ولم يترك هؤلاء، لأصحاب الخبرات فرصة للإدلاء بأصواتهم ولا بالحقائق التي يمتلكونها، ويصر هذا البعض، الدخول في شؤون لا خبرة لهم فيها، مما يجعل الفشل حليفاً بهم، لصيقاً بجهلهم.
من الأمور التي تتطلب الانتباه، مسألة تتعلق بالوعي والجهل، فقد اعتاد كثرة من الناس، الدخول في مناقشات طويلة تتعلق بقضايا يجهلها البعض، فيما يكون البعض على معرفة تفصيلية بها، إلا أن البعض الذي يجهل الحقيقة، حين يعجز عن البرهان.. يصل إلى منطقة يزعم أنها رأي، وما الرأي إلا وجهة نظر قائمة على أسس ومفاهيم وتطلعات وبراهين وأدلة ورؤى.
وكذا الحال في كثرة الطلبة الذين يتقدمون لنيل شهادات الماجستير والدكتوراه، حيث نجدهم يقضون فترات زمنية في دراسة أمور جد هامشية، لا يجد فيها المجتمع أي فائدة ولا يحصد الدارس منها أي جدوى.
ومع أن الجامعة والمشرف ولجان المناقشة يتحملون قسطاً من هذا الإجراء، إلا أن الجميع يتجاهل الجميع، بدعوى أن كل ما حولنا سلبي.
وهذا فهم قاصر، ووعي منكسر، وجهل أعمى، وسباحة في ماء كدر من قبل (سباح)، لا يعرف الموجة ولا اتجاه الريح ولا عمق المياه، التي اختار السباحة فيها.
الأشياء لا تقاس بالمغامرة الجوفاء، ولا بالخطى الحثيثة، التي لا تعرف سبيلها في كيفية الوصول إلى الهدف المطلوب.
لهذه الأسباب مجتمعة، نجد أن الأمور مآلها الفشل، وفشل قد يكون له سلبيات كثيرة وعواقب وخيمة.. لذلك يفترض بعقلاء الناس، تحمل القسط الأوفر من فشل الآخرين، وذلك بسبب تخليهم عن التوجيه والإرشاد، وبناء قاعدة علمية ومعرفية نحتاج إليها جميعاً، لبناء حياتنا ومستقبلنا وتدبير شؤوننا.
أما أولئك الذين يعملون على إعمام الجهل، والاشتغال عليه، والعمل على وفقه، فإنما هم قوم يستثمرون الجهل، ويكبرون دوره ليكون لهم التفوق، ويكون لهم الفلاح.
من هنا نجد أن الجهل بقوانين ومسار التعليمات وتفاصيل الطرق، هي التي تؤدي بأصحابها إلى ما لا نريده ولا نسعى إليه ما دمنا نمتلك الوعي، إلا أن الوعي هنا لا يأخذ دوره، بل على العكس من ذلك، يسود الجهل.. ولا يقبل الجاهل بمن يرشده ويعلمه وينير دربه.
إن المجتمع – أي مجتمع- لا ينهض ولا يتطور، إلا بعقلائه وخبرات أبنائه وكفاءات مواطنيه، حتى إذا تخلينا عن هؤلاء جميعاً، وجدنا أنفسنا أمام الفشل الذريع، لأن الجهل في القاعدة المألوفة يسبق ويتفوق على الوعي والنباهة، وذلك بسبب سهولة إيصاله إلى الآخرين من الجهلة..
ولأن العلم والمعرفة، لا يكونان عفو الخاطر ولا نتاج الفراغ أو السرعة أو المزاج، وإنما ينشأ ويتطور عن طريق التراكم المعرفي القائم على الدليل والنقاش المثمر والثوابت البناءة، التي يمكن أن تكون قاعدة صلبة في لحظة تكوينها في الزمان والمكان، إلا أنها هي الأخرى عرضة للتغيير، عندما تكون هناك مؤشرات جديدة ووعي جديد ومعلومة جديدة، لقد آن لنا أن نصحو على المعرفة، وألا نعد الجهل رأياً أبداً.. فالرأي سيد المعارف، وصاحب الرأي هو الأرقى في إقناع الآخرين بالرأي السديد والمنطق المعقول.