هل التعليم الحكومي في خطر؟
كتب رعد أطياف: ربما نحن البلد الوحيد الذي يتنافس فيه التدريس الحكومي والتدريس الخصوصي، لا من حيث الجودة وإنما من حيث التقارب الكمي بالنسبة للأجور! لقد أضحى التدريس الخصوصي ثقافة راسخة، وواقع حال تضطر فيه الأسر إلى زج أبنائها في قاعات التدريس الخصوصي من قبل كوادر تدريسية، قد لا تجد المتسّع الكافي لتوضيح المادة بأكمل وجه في القاعات الحكومية، فتلجأ لهذا النمط من التدريس.
وربما كثافة الأعداد وقلة البنايات المدرسية، أو ضعف الأجور الشهرية، يدفع باتجاه شيوع ظاهرة التدريس الخصوصي، وإلا ماذا يعني التدريس الخصوصي من قبل مدرس حكومي، وهو يمكنه أن يعطي دروسه في القاعة المدرسية؟ إما لدوافع الجشع، أو لاستحالة الحصول على جودة تدريس حقيقية، في ظل الأسباب التي ذكرناها أعلاه.
أياً ما يكن الأمر، فثمّة مؤشرات تدل بوضوح عن شيوع هذه الظاهرة. وقبل التسرّع بالأحكام، ينبغي النظر بجديّة والبحث عن الأسباب الجوهرية التي تدفع عدداً ليس بالقليل من الكوادر التدريسية للعمل في الظل، مقابل أجورٍ إضافية تُدفَع من قبل الأسر ذات الدخول المحدودة، لدرجة تحول التدريس الخصوصي إلى ثقافة شائعة، ولا تثير أي استفهام.
أصبح الأمر ملحّاً للغاية لفهم معاناة الكوادر التدريسية عن قرب، وتحليل هذه الظاهرة بموضوعية لوضع العلاجات المناسبة، قبل أن يتحول التدريس الحكومي إلى عبء يثقل كاهل الدولة، وتتحول المدارس إلى مطابعَ للشهادات بمعزل عن أي جودة ملحوظة.
أسرّني صديق ذات يوم عن محنته مع الدروس الخصوصية حيث قال لي: أجور الدروس الخصوصي التي دفعتها لنجاح ابني في الامتحانات النصفية (الثاني متوسط) 600 الف دينار لثلاث مواد، وسيتبعها نفس الرقم في النهائيات، إن لم يكن أكثر. وهو مبلغ يتجاوز دخلي الثابت بمقدار النصف!..
يمكن اعتبار هذه القصة نموذجاً لما يحدث في التدريس الخصوصي، وبالتأكيد لكل منّا أكثر من قصة. وبكل تأكيد لدى الجهات ذات العلاقة أكثر من قصة وأكثر من مؤشر سلبي بخصوص هذا الأمر.
أكثر من ذلك، إن ما يسمى بـ «معاهد التقوية» لا تقبل بأقل من 450 ألف دينار للكتاب الواحد. وهو استثمار جيد عدا أنه في بيئة غير مهيأة لهذا الاستثمار، إذ كيف يمكن التوفيق بين التدريس الحكومي والتدريس الخصوصي؟ فبكل تأكيد سيؤدي إلى حالة من الفتور والتراخي واللاأبالية داخل أروقة التدريس الحكومي، خصوصاً أن الحوافز التي يقدمها التدريس الخصوصي، ربما تتفوق على مثيلتها في الحكومي، أوعلى أقل تقدير سيكون دخلاً إضافياً يعّوض الفجوة الحاصلة في سلّم الرواتب إن وجدت، فستميل الكفة بالتأكيد للتدريس الأهلي، فتبدأ العملية التعليمية بالنخر من الداخل.
فبهذه الحالة: إما أن ينافس التدريس الخصوصي بمزيد من التحديث والتطوير والحوافز للتعليم الحكومي، لكي ينحصر أمر التدريس الخاص بالأسر الميسورة، ولكي لا يعمل المدرسون بحصص إضافية للدروس الخصوصية، أو هو إعلان غير مباشر للتخلي عن التدريس الحكومي، ليثقل كاهل الأسرة العراقية.
طبعاً هذا النظام لا يُعرف له تطبيقات مماثلة، لا في البلدان ذات الاقتصاد شبه المركزي، ولا في البلدان ذات الاقتصاد المختلط، ولا في البلدان الرأسمالية ذات السوق المفتوحة.
المسألة ليست في الظهور من على شاشة التفلزيون، والتواجد في إحدى المدارس، والتنديد بالتدريس الخصوصي، والاستعانة بالتلاميذ للوشاية بمدريسهم، بقدر ما يكون برنامجاً شاملاً يضع العلاجات الحقيقية ودراسة تنامي هذه الظاهرة بجدية، اللهم إلا إذا كانت الجهات ذات العلاقة، لم يعد يهمها التعليم الحكومي.
وعلى هذا المنوال، ينبغي على الأسرة العراقية أن تدفع فواتير الكهرباء، والتعليم، بصرف النظر عن جودة الخدمات، وبصرف النظر عن مدى مستوى الدخل الفردي، وبغض النظر عن مستوى البنى التحتية، وبغض النظر عن كل شيء، عليك أن تدفع فقط.