مزايا وعيوب جهاز تسريع النتائج
كتب القاضي قاسم العبودي: أشرنا في مقالنا السابق إلى أنَّ التسمية الصحيحة لجهاز تسريع النتائج هي صندوق الاقتراع الإلكتروني، لكننا لم نخض في مزايا وعيوب هذا الجهاز، وقبل أن نخوض في ذلك لا بد من الاشارة إلى أنَّ أهم المبررات التي ساقتها مفوضيَّة الانتخابات لاستخدام صندوق الاقتراع الالكتروني في الانتخابات العراقيَّة.
كانت:
• السرعة في اعلان النتائج فقد تعهدت المفوضيَّة بإعلان نتائج الانتخابات خلال 24 ساعة من وقت اغلاق محطات الاقتراع إذا ما تم استخدام هذا الجهاز، و قد تم تحديد ذلك بالفعل في نص القانون حيث نصت المادة 10 من التعديل الثالث لقانون الانتخابات رقم 4 لسنة 2023 على ( تلتزم المفوضيَّة باعلان النتائج خلال 24 ساعة للتصويت العام و الخاص).
• تقليل الاعتماد على العنصر البشري حيث يساهم هذا الجهاز في تقليل نسبة العمل اليدوي، من خلال الاعتماد على عمليات العد و الفرز التي يستخدمها الجهاز، فضلا عن وظائفه الأخرى التي ذكرناها في مقالنا السابق، ومنع تدخل موظفي المحطات في العمليات
المذكورة.
• زيادة المسؤوليَّة على موظفي الاقتراع من خلال استخدام العُدة الالكترونية (جهاز التحقق +جهاز صندوق التصويت الالكتروني)
حيث يُولد استخدام هذه العُدد الالكترونية مخاوف من التلاعب أو التدخل السلبي بالنتائج لدى موظفي الاقتراع، وهو ما يعزز من الشفافيَّة في عمل كوادر المفوضيَّة.
• تقليل فرص حدوث الحشو لأوراق الاقتراع.
يقلل استخدام هذا الجهاز من فرص قيام بعض موظفي الاقتراع، أو غيرهم بحشو الصناديق بأوراق اقتراع.
قامت مفوضيَّة الانتخابات بتقييم عمل تلك الأجهزة في الانتخابات السابقة لمجلس النواب في انتخابات 2018 وانتخابات 2021 ، والتي شملت إلغاء جهاز السيكوس ( وهو جهاز يستخدم لاحتساب أوراق الاقتراع على مستوى المركز في حال عطل أحد أجهزة المحطات)، وزيادة حزمة إرسال النتائج من 2000 محطة في الساعة إلى 10000 محطة في الساعة لتسريع عمليَّة إرسال النتائج، فضلا عن تحديث جهاز التحقق من استشعار البصمة، وتحديث قراءة بطاقة الناخب وجهاز صندوق الاقتراع لورقة الاقتراع وختم الورقة الباطلة.
إلّا أن التجربتين (انتخابات مجلس النواب 2018 – 2021)، أظهرت العديد من العيوب بشكلٍ يفوق المزايا، ونشير إلى أهم تلك العيوب:
• ما يتعلق بالسرعة لم تستطع المفوضيَّة من الإيفاء بتعهدها من اعلان النتائج خلال 24 ساعة رغم إلزامها بقانون الانتخابات.
• إنَّ استخدام جهاز تسريع النتائج أدى إلى ارتفاع عدد أوراق الاقتراع الباطلة في انتخابات مجلس النواب 10 /10 /2021، حيث تم احصاء 900 ألف بطاقة اقتراع باطلة ! وعندما تمت إعادة عمليَّة العد والفرز يدوياً استجابة لطعون بعض المرشحين والأحزاب ظهر عدم صحة قراءة الجهاز للبطاقات وتبين أن معظمها صحيحٌ وليس باطلاً، علماً أن تكرار عمليات التصويت، يجب أن تؤدي إلى تراكم الخبرات، وبالتالي تقليل الأخطاء وليس العكس. وقد أشرنا إلى ذلك مفصلا وبالأرقام في كتابنا (تأثير النظم الانتخابيَّة في النظام السياسي دراسة مقارنة بالتجربة
العراقيَّة).
ولدى الرجوع إلى تلك الإحصائيات الخاصة بعدد الأوراق الصحيحة والباطلة لانتخابات 2005 و 2009 و 2010 نلاحظ أن الأوراق الباطلة تنخفض في كل انتخابات عن تلك، التي تسبقها. مع الأخذ بنظر الاعتبار زيادة عدد المصوتين في انتخابات 2010 بنسبة 40 % عن انتخابات مجالس المحافظات 2009 بسبب عدم مشاركة أربع محافظات في تلك الانتخابات، فضلاً عن الزيادة الاعتيادية السنوية للناخبين ومضاعفة عدد المرشحين في الدائرة الواحدة لانتخابات مجلس النواب 2010، مع ارتفاع النسبة المئوية لعدد المصوتين مقارنةً بانتخابات مجلس النواب
2005.
هذا الانخفاض في عدد الاوراق الباطلة رغم كل المتغيرات، التي أشرنا إليها يدل على زيادة وعي الناخب العراقي، وفهمه واستيعابه لطبيعة النظام الانتخابي الجديد، ويعبر ايضاً عن حسن أداء موظفي الاقتراع. كما يشيرُ إلى الانخفاض الكبير في الأوراق الخالية في انتخابات 2010 مقارنة في انتخابات 2005، إلى اهتمام الناخب العراقي و اندفاعه للمشاركة الحقيقية في الأدلاء بصوته لاختيار ممثله في مجلس النواب.
وعلى عكس المرجو فإن عدد أوراق الاقتراع الباطلة، التي ظهرت مع استخدام أجهزة تسريع النتائج في انتخابات مجلس النواب 2021 بلغت 9 أضعاف ما هو عليه في الانتخابات السابقة! ويبدو للقارئ الكريم ذلك جليا من خلال الاطلاع الجدول المرفق أدناه* الذي يتناول مجموع الأوراق الصحيحة والباطلة لانتخابات 2005م – 2009م – 2010م:
• تم تأشير تأخر عدد كبير من الأجهزة في العمل بنحو يقدر بـــــ 3 الاف محطة، مما اقتضى انتظار محطات الاقتراع لرقم الباسورد، وتعليق عمليَّة الاقتراع وتأخر عمليَّة التصويت لفترة أصابت بعض الناخبين بالملل و الرجوع دون إتمام عمليَّة التصويت.
و قد اشتكى البعض من تعمد بعض مدراء المحطات إطفاء الجهاز كون الناخبين يمثلون جهة سياسية واحدة بهدف تفويت الفرصة على الناخبين من إتمام عمليَّة التصويت، ولكون إطفاء الجهاز يتطلب ادخال كلمة سر من (المكتب الوطني) في مفوضيَّة الانتخابات لتشغيله مرة أخرى، وهو ما يعني انتظار وقت طويل، إلا أن هذه الإدعاءات وإن لم توثَّق بشكل رسمي، ولا يمكن التسليم بصحتّها إلا أنَّ احتماليَّة حدوثها غير مستبعدة.
• اظهر استخدام هذا الجهاز ضعف قدرة موظفي المفوضيَّة في اصلاح الأعطال التي اصابت الأجهزة يوم الاقتراع، وقد ادى ذلك إلى إرباك كبير تسبب في ضياع الكثير من الوقت، مما يستوجب إجراء عمليَّة محاكاة واسعة قبل يوم الاقتراع في بيئة مشابهة إلى يوم الاقتراع، علما أن المفوضيَّة أجرت عمليَّة محاكاة ب 1079 محطةً من أصل 55000 محطة.
• هناك مشكلات متعلقة بالحفظ والتخزين كون هذه الأجهزة تحتاج إلى خزن ضمن ظروف معينة بدرجة حرارة، لا تزيد عن 35 درجة مئوية ورطوبة محددة، وهذا ما تفتقر اليه مخازن المفوضيَّة، وقد أدى سوء الخزن على ما يبدو إلى حريق مخازن مكتب الرصافة الانتخابي.
• سُجلت شكاوى كثيرة حول اختلاف التوقيت في غلق المحطة خلافا للتوقيت المحدد من قبل المفوضيَّة و هو الساعة السادسة مساءً، والحقيقة ان التأخير كان في الإرسال، وليس الغلق وقد تفاوت وقت إرسال المحطات خلافا للإجراءات التي تقضي بإرسال النتائج في وقت واحد، كما عدم ارسال نتائج الانتخابات من قبل (3,381) محطة لأسباب مجهولة تتعلق بعمل الأجهزة. علماً بأن هناك قرارات لمحاكم في بعض التجارب الدوليَّة قضت ببطلان الانتخابات لأسباب أقل جسامة، اذا ما قورنت بهذه الاسباب مثال ذلك (ما حدث في الانتخابات الرئاسية الكينيَّة، التي جرت في الثامن من آب عام 2017 حيث استخدم فيها التصويت الالكتروني بالاستدلال بالنظام البايومتري للتأكد من شخصية الناخب، وقد أصدرت المحكمة العليا في كينيا قرار بأبطال تلك الانتخابات و أمرت بتنظيم اقتراع جديد خلال شهرين، ومن أهم أسباب ذلك الحكم هو اتهام المفوضيَّة بعدم الشفافية، كونها منعت أطرافًا محايدة كفرق المراقبة وبعض الناخبين من الاطلاع على البرنامج الالكتروني، كما ورد في حيثيات ذلك القرار أن مفوضيَّة الانتخابات فشلت بإرسال نتائج أكثر من ألف محطة اقتراع، فضلا عن أسباب أخرى وردت في
القرار).
• تمَّ حرمان العديد من الناخبين من التصويت، بسبب خطأ في ادخال بياناتهم في أجهزة التحقق، ويعود سبب ذلك إلى تغيير جهة التعاقد من شركة اندرا الإسبانية إلى شركة ميرو الكورية، وان الاختلاف في مصدر التقنية أدى إلى خلل ومشكلات في قراءة بطاقة الناخب، بسبب نقل هذه البيانات من شركة إلى أخرى، وقد أدى ذلك إلى حرمان بعض الناخبين من التصويت بحجة ظهور إشعار بتصويتهم مسبقاً.
• إنَّ استخدام جهاز تسريع النتائج أصاب بمقتل أحد اهم معايير نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وهو سريَّة الاقتراع، حيث لم تعد هناك سرية في التصويت، اذ يمكن لمسؤول المحطة الإطلاع على خيار الناخب أثناء عرض ورقة الاقتراع على
الجهاز.
ومما يجب ذكره أن استخدام تقنية باهظة الثمن في الانتخابات، يجب أن يقلل من الكُلف الأخرى، لبقية مستلزمات العمليَّة الانتخابيَّة كعدة المحطة، المطبوعات، الحبر السري والمستلزمات الأخرى، وعلى عكس ذلك نلاحظ ان المفوضيَّة طبعت أوراق الاقتراع، بمبلغ عشرين مليون دولار، وهو الأعلى بالنسبة لطباعة ورقة الاقتراع بتاريخ
المفوضيَّة. كما أن هناك الكثير من نقاط الخلل والسلبيات، التي رافقت استخدام التقنية في التطبيق، ولكني لا أريد أن أطيل على القارئ الكريم، وأختم بعبارة لأحد المختصين بالتصويت الالكتروني د. ربيكا ميركوري (أنا أعارض وبشدة اعتماد التصويت الالكتروني الصرف 100 % أو التصويت عن بعد بواسطة الانترنت للاقتراع، وكذلك في تطبيقات تدوين واستخراج نتائج الانتخابات، وأسباب معارضتي لهما متنوعة، وكنت قد نوهت عنها في كتاباتي وكذلك في الكتابات المعتبرة لخبراء أمن
الحاسوب).