أزمات الإقليم رغم قسوتها عابرة.. والحلول قادمة فلا تيأسوا
سامان نوح
في أربيل تتزاحم البنايات الكبرى وتتعالى حتى تكاد تناطح السحاب.. وعلى الثرى لا ماء كافي يسقي العطشى. أحياء عديدة تقضي أياما دون مياه. ويقول مسؤولون: ماذا نفعل؟ الجفاف يضرب المنطقة كلها والأمور صعبة وعلى الجميع وقف الهدر والاسراف مع أخذ حذرهم من المياه التي يوزعها بعض “الساسة التجار” فقد تكون غير صالحة!.. تحملوا واصبروا فالحلول قادمة.
ترتفع اسعار البنزين الى ما فوق الـ750 دينارا للتر الواحد للأنواع الرديئة ونحو 1000 للسوبر، والحكومة التي لا تكاد تُصدر الا النفط، تتفرج وتقول ماذا نفعل؟ اسعار النفط العالمية ارتفعت ولا نملك امام ذلك حلا. فيأتي “سياسي تاجر” ليبيع البنزين بـ 500 دينار، فينزعج المسؤولون مرددين: هذه دعاية سياسية مكشوفة وليس خدمة للناس.. نحن من نخدم بحق لكن المعالجات صعبة وتحتاج الى وضع خطط واستراتيجيات ومشاريع وتقييمات تمتد لسنوات وسنوات وتحتاج من الشعب مزيدا من التضحيات!.. فتحملوا واصبروا فالحلول قادمة.
تمضي السنوات والموظفون يتلقون “بشارات” توزيع رواتبهم عبر القنوات الحزبية وفي مواقع التواصل الحزبية… ويظهر متحدثو الحكومة بعد اربعين يوما على آخر “راتب مستقطع” ليعلنوا جداول التوزيع الجديدة. لتبدأ احتفالات الموظفين والكسبة بعودة الحياة الى بيوتهم وأعمالهم. لا تيأسوا فالحكومة لن يهدأ لها بال حتى تجد حلا جذريا لدفع الرواتب في اوقاتها وان كان بمزيد من الاستقطاعات!.. فتحملوا واصبروا فالحلول قادمة.
ترتفع اسعار النفط الى الضعف (من 40 الى 75 دولارا للبرميل) ويستمر في ذات الوقت التأخر المزمن والصادم في دفع الرواتب وتتواصل اجراءات قطع نحو 20% منه دون غطاء قانوني، في ظل هيكل برلمان مريض مهمش “لا يحل ولا يربط” ولاتغني عروض جلسات نوابه عن حاجة، فيعجز حتى عن تمرير تخريجة شرعية للقطع!.. عموما لا تتذمروا فخروقات القوانين تضرب العراق كله طولا وعرضا.. فتحملوا واصبروا فالحلول قادمة.
يرتفع حجم التبادل التجاري (المستوردات طبعا) باعتراف مسؤولين كبار، وفي ذات الوقت تنخفض عائدات المعابر مع تركيا وايران بنسبة 42% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة في مشهد مضحك مبكي تحت وقع “التهريب والتدبير”، فالأحزاب الحاكمة كل في منطقتها ترفض تسليم العائدات للحكومة الا وفق نسب محددة في ظل استمرار تراكمات ادارتي التسعينات وبقاء جيوش القوى الحزبية فاعلة وحاكمة!.. لكن لا تيأسوا وتحملوا واصبروا فالحلول قادمة.
بعد الموجة الثالثة المعلنة للاصلاح خلال السنوات الاثنا عشرة الأخيرة، تشير ارقام الحكومة انها حصلت في العام 2020 وكمعدل عام على 10 دولارات عن كل برميل نفط. وتتصاعد الأسعار في 2021 لتتجاوز الـ70 دولارا، فيخرج القادة مبشرين الرعية بانفراجة نسبية قريبة تخفف تداعيات الثقب الأسود: “والله نحصل فقط على 40% من العائدات والـ60% الباقية تذهب الى جيوب الشركات المحلية والاقليمية والدولية فماذا نفعل؟… لكن لا تيأسوا واصبروا، كما تعرفون التحديات كبيرة واربيل تعاني من هجمات الأعداء الحاسدين، والسليمانية تعاني من صراع الشركاء على مفاصل السلطة والمال والمعابر، لكن الامور تتغير وتتحسن. فتحملوا فالحلول قادمة.
يحدث ذلك، فيما تركيا تواصل قصف قرى الاقليم الحدودية شمالا ويمينا وتتوغل في العمق مقيمة 70 قاعدة ومركز مراقبة، والصراعات والانقسامات الحزبية الداخلية تجاوزت بعض الخطوط التي ظلت حمراء، والأيدي الحزبية اضحت فوق كل المؤسسات المترنحة، والجيش مازال جيشان رغم كل الضغوط الدولية لتوحيده، وقوى الأمن متعددة ومتفرقة، وتأمين المتطلبات الأساسية للعيش باتت محنة كبرى، وأزمات القطاعين الصحي والتعليمي تدمي القلوب في اقليم راكمت أحزابه القائدة لأهداف انتخابية مليون وربع المليون موظف غالبيتهم بلا عمل في قطاع عام لا ينتج غير الكسل والبيروقراطية وأحيانا سلالات من الفساد الممنهج.
تقول سيدة خمسينية وهي تغالب دموعها: لدي أطفال مرضى بالكاد أؤمن متطلباتهم.. اقسم بالله لا نملك ثمن شراء تانكي ماء بعشرين الف.. لا نعرف كيف يمكننا ان نعيش.. كل شيء اصبح بالمال حتى الماء والدواء.
مع ذلك لا تقلقوا. يقول القادة: كل هذه المصاعب والمصائب والتحديات طبيعية ومتوقعة في منطقة تغلي على صفيح ساخن، وكل واحدة لها اسبابها العميقة المتراكمة منذ ثلاثة عقود من الأخطاء المتداخلة للسياسة والادارة والتجارة والحكم، وكلها اليوم تخضع للمراجعة والتصحيح، وتظل هي في مجملها لا تقارن بالانجازات الكبرى المتحققة داخليا وسط الخراب والعوز الماثل في المحيط، ولا تنسوا اننا في ساحة حرب والأعداء بنا يتربصون.. فاصبروا وصابروا، وإطمئنوا الاصلاح الجارف آتي والحلول الجذرية قادمة لامحال.