الانتخابات.. ما لها وما عليها
كتب حسب الله يحيى: نعلم جميعاً، أن الانتخابات حق دستوري، يمارسه الشعب بحرية تامة لاختيار ممثليه في البرلمان.. بمعنى أن يكون كل فائز من المرشحين، ممثلاً شرعياً للشعب.
إلّا أنّ هذا الاختيار/ الانتخاب لممثلي الشعب محفوف بجملة شروط أهمها:
أن يكون المرشح معروفاً لدى غالبية الناخبين بنزاهته وكفاءته وخبرته وتجربته ومن ثم مقبوليته، واثقاً بقدرته على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه، بأن يكون صوتاً فاعلاً ليس لناخبيه من الأقارب والمعارف والأصدقاء؛ وإنما لأفراد الشعب كافة.
إلّا أنَّ هذا المرشح، عندما يكون مدركاً أن مساحة ناخبيه لا تتعدى هذه المساحة من (الأقارب والمعارف والأصدقاء)، وهم وحدهم الذين يعولون عليه في تحقيق مكتسبات خاصة بهم من دون سواهم من خلق الله؛ لا بدَّ أن ينتبه ويدرك تماماً أن هذه المساحة، تظل مساحة محدودة، فيما يتبقى ملايين من الناس الذين لا يقبلون به شخصياً ممثلاً عنهم، كما لا يقبلون بمن يماثله من المرشحين، كونهم فقدوا الثقة بالعملية الانتخابيّة أصلاً، وباتوا يقاطعونها.. فماذا يعني أن يكون المرشح فائزاً وهو يعلم أن قلة من الناس قد اختاروه؛ فيما الأكثريّة استغنت أصلاً عن انتخابه؟.
إنَّ هذا يعني أنّه محاط بعدد محدود يجد مقبوليته لديهم، فيما يشكل وجوده خصومة أو إهمالاً في أحسن الأحوال من قبل الأكثريّة التي لا تشارك في الانتخابات.
إنَّ هذا يجعله، يتخذ الحيطة والحذر والاعتماد على حماية من مقربيه للحفاظ على نفسه من الأذى.. فكيف يكون مثل هذا المرشح موفقاً في عمله، ويزعم أنه ممثل للشعب كله، فيما لا يجد مقبوليته ولا أمنه من قبل معظم الناس؟.
صحيح.. أن مقاطعة الانتخابات ليست حلاً موفقاً، ذلك أن هذه المقاطعة تتيح فرصة ثمينة لعدد من الفاسدين والفاشلين لأخذ أدوار وسلطة لا يستحقونها وغير مؤهلين لها.. والذين لا يشغل بالهم أن يعيشوا أدوارهم (نواباً) و(ممثلين للشعب) فيما الكثرة لم تصوت لهم ولم تعدهم ممثلين عنهم.. بل هم على العكس من ذلك يعدون خصوماً وإنهم لم يأتوا إلى البرلمان إلا لتحقيق مكاسب مالية وإدارية لا يستحقونها..
ولو تم إصدار قانون يعد فيه النائب منتدباً من وظيفته أو عمله لمدة أربع سنوات، يعود بعدها لممارسة عمله أو وظيفته، وبالراتب أو الأجر الذي كان يتقاضاه قبل دخوله إلى مجلس النواب؛ لما تقدم لإشغال هذا المنصب إلّا عدد محدود جداً.. جداً.
إن الناخب العراقي، لم يعد يجهل هذه الحقيقة المرة.. وهي الحقيقة الأساس في المقاطعة التي خيّبت الانتخابات السابقة آمال معظم العراقيين.
فضلاً عن عدم القناعة بنزاهة الانتخابات، وهو أمر يفترض أن يجرب المقاطعون للانتخابات، وذلك عن طريق الإدلاء بأصواتهم واختيار مرشحين بعينهم ليفوزوا بالأصوات التي تحترم وجودهم. ذلك أن وجود أعضاء خيرين في برلمان بات يداور ويكرر أعضاءه؛ أفضل بكثير من غياب هؤلاء الخيرين على قلتهم أو كثرتهم.
الأمر لا يتطلب المزيد من التفكير في طبيعة المرشح ومدى حرصه واستعداده الذاتي قبل أن يمثل الشعب حقاً.. فيما الكثرة من الأفراد الشعب لا يجدون في البرلمان ممثلاً لهم ولا مدافعاً عن حقوقهم.. ذلك أنه لم يتقدم للترشيح إلّا لكي يجني ثمار ترشيحه، لا أن يكون مثقلاً لهموم وأوجاع الناس فهؤلاء (لهم رب يحميهم) وليس نائباً يجعل المسافة شاسعة بينه وبينهم.. مساحة لا يشغلها إلّا الحراس والحمايات والولاءات، والأهم من ذلك ما يحصدونه من منافع ومكتسبات..
فهل يفرط المرشح الاستثنائي الذي جاء فعلاً لخدمة أبناء الشعب حقاً، ولا يعول إلّا على هذا الفوز، لا ليكون معبراً عن آمالهم وتطلعاتهم وله أن يتولى مهمة التكليف هذه ليعود بعدها مواطناً صالحاً في أي موقع يشغله مثلما كان قبل انتخابه.
الانتخابات.. امتحان لذات المرشح، مثلما هي امتحان لاختيارات الناخب الذي يفترض أن يكون حراً، لا أن يشترى صوته بثمن بخس بعيد عن القيم التي يفترض أن يصونها.