Trending

التعداد السكاني في مسارات التنفيذ فهل ستتحقق من خلاله الأمنيات؟!

كتب د.باسل عباس خضير: التعداد السكاني لعام 2024، ليس تعداداً يخص السكان وعددهم وجنسهم وأعمارهم وتوزيعهم الجغرافي فحسب، وإنما عملية ضخمة وكبيرة كرست لها العديد من التحضيرات والإمكانيات بعد سلسلة من التأجيلات بمختلف الأعذار.

 

وللتعداد السكاني أهداف استكشافية شاملة، يتم من خلالها نقل صورة الواقع السكاني في العراق من جوانب متعددة، منها الاجتماعي والاقتصادي وما يرتبط بها من تفاصيل، وهي أمور تضمنتها استمارة التعداد السكاني التي قام الجهاز المركزي للإحصاء بوزارة التخطيط، بإعدادها ونشرها بوسائل الإعلام، لكي يتهيأ المواطنون لإدراج ما فيها من بيانات.

والتعداد سيستغرق أسبوعين ابتداءً من يوم 20 تشرين الثاني الحالي ولغاية يوم 3 كانون الأول القادم، وسينفذ من قبل 120 ألف باحث تم اختيارهم وتدريبهم، لغرض مقابلة العائلات، وبواقع باحث لكل 100 أسرة، حيث سيزورون العوائل يومي 21 و22 من هذا الشهر، وستكون فيهما عطلة رسمية وفرض لحظر التجوال لكي يتم التفرغ للتعداد، ومن المتوقع إعلان النتائج الأولية بعد هذين اليومين لتشمل (عدد السكان الكلي ولكل محافظة، عدد الإناث وعدد الذكور ونسبة كل منهما من المجموع)، والنتائج النهائية ستكون مهيأة تباعاً بعد نهاية التعداد (3 كانون الأول 2024).

وبغض النظر عن التأخير الذي حصل في هذه العملية التي انقطعت منذ 1997 والمفترض أن تقام كل 10 سنوات، فإن تنفيذها (إن تم بدون استثناءات) يعد انجازاً وطنياً مهماً، كونه تحدياً لكل الظروف والموانع السياسية والأمنية وغيرها التي مرت بها البلاد قبل وبعد 2003، والحرص على تنفيذ التعداد بدقة وموضوعية، تعد مهمة جمعية لا تخص الأجهزة التنفيذية المعنية بالتعداد، وإنما من واجبات المجتمع بكل مكوناته من السلطات والفعاليات والأحزاب.

فالتعداد أداة مهمة للتعرف على الواقع وما يمكن أن تستخرج منه من نسب ومعدلات، ويفترض أن تعتمد كأساس مهم في تبني الخطط والبرامج والاستراتيجيات للسنوات القادمة، لإيقاف ضعف أو انعدام الموضوعية التي اعتمدت في العديد من الممارسات.

نعم التعداد في غاية الأهمية، لأن الكثير مما كان يخطط له مبني على تخمين وتنبؤات واجتهادات بعضها وصل لإملاءات، وتلك الأدوات حتى وإن بلغت نسبة مقاربة للواقع بموجب البرامج الإحصائية إلا أنها تبقى تستند لبعض الجوانب وليس كل الواقع الحقيقي، والعمل بمعزل عن التعداد يجعل المواطن ومتخذي القرار في نسبة معينة من الخطأ والظن، فيما يتم الإعلان عنه وما يتم اعتماده من قرارات.

فالإحصاء عندنا مهم في تحديد نسب الرفاهية والبطالة والفقر والمظلومية ومدى ملائمة البنى التحتية وغيرها التي يعول عليها في تخصيص الموارد وأبرزها الموازنات، فأغلب الموازنات الاستثمارية والتشغيلية التي أعدت كانت محل اختلاف أو خلاف في القدرة على تحقيق العدالة للسكان في توزيع الموارد، وفي تحقيق التطور بشكل متوازن في البلاد.

وفي غياب التعداد السكاني بات المواطن يشكك (أحياناً) حتى في أبسط الإحصاءات ومنها مثلاً عدد السكان، فالتخطيط تقول إن العدد بلغ 46 مليون في منتصف عام 2024، وهناك من يسأل هل هذا العدد حقيقي بعد الحروب والحصار والفقر والهجرة والمراضة التي تعرضت لها البلاد قبل وبعد 2003؟، وسواء كان هذا الرقم قريب أو بعيد ولا يتعارض مع معدلات النمو المستخرجة من الولادات والوفيات، فإن من المهم والأهم أن تعتمد نتائج التعداد فعلاً ولأغراض التطبيق، في التخطيط الرشيد وفي جميع الأمور التي تخص السكان سواء في تخصيص الأموال أو في إعادة توزيع الثروات لتحقيق العدالة، بضوء ما يستخرج من تحليلات.

ومن المفيد أن تكون عمليات التعداد شفافة وبعيدة كل البعد عن التأثيرات الاجتماعية والسياسية لنقل الواقع الفعلي في الأرقام والإحصاءات وما ينتج عنها من معطيات، وهي مهمة تتطلب من المواطن أن يكون له الدور الفاعل في نقل بياناته، كما هي عليه أقلها لكي يتم الاطلاع على واقع الأحوال.

فالتعداد وإن كان لا يجيب عن تساؤلات البعض حول مصادر الأموال والإثراء السريع ومستوى التفاوت في الدخل وأسبابه وغيرها من التفاصيل، إلا أنه يبقى ضروري مادام يدخل حيز التنفيذ بعد غياب طويل، آخذين بعين الاعتبار أن الإجابة عن ما يطرح من تلك التساؤلات ليست من ضمن مهام التعداد السكاني لا في العراق ولا في غيره من البلدان، لأنها تخص واجبات جهات محددة تختص بهذه الأمور.

والتعداد له مهام محددة والتركيز فيه على محتويات استمارة التعداد، ولنترك بقية التفاصيل أملاً في أن يحقق التعداد أهدافه في استخدامه أداة فعلية في التخطيط والتنمية للفترات القادمة، إن كان ينقل الواقع بصدق وأمان.

 

 

Check Also
Close
Back to top button