الحرب الروسيَّة – الأوكرانيَّة.. صراعُ الهويَّة والجغرافيا

كتب علي الخفاجي.. منذ موعد انطلاقها، لم تكف الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، بل تعدَّتها وأصبحت قضيَّة رأيٍ عامٍ دوليَّة، واصطفت على إثرها الدول المؤيدة والمناوئة لهذه الدولة أو تلك تبعاً للمصالح، الحرب الروسيَّة ـــ الأوكرانيَّة تسببت بأزماتٍ عالميَّة اقتصاديَّة وسياسيَّة على مدى العقود الأربعة التي مضت.
فمنذ سقوط الاتحاد السوفيتي ومحاولة كييف الاستقلال عن روسيا ومنذ ذلك الحين لم تهدأ الأوضاع العامَّة للبلدين وظلت المناوشات بين الطرفين في محاولة من روسيا لإرجاع كييف وضمّها من جديدٍ إلى روسيا الاتحاديَّة، وبعد فترة السلم الحذر الذي انتهجته روسيا لعشرات السنين، عادت واستولت على شبه جزيرة القرم الأوكرانيَّة في العام 2014 والسيطرة على المباني الحكوميَّة المحليَّة، ومن حينها اشتدَّ التوتر العسكري بين الطرفين ولا يزال.
ونتيجة لتكرار المحاولات الروسيَّة والاعتداء المتكرر، بدأ الغرب بالتحرك لمساندة أوكرانيا اقتصادياً وعسكرياً وفرض عقوباتٍ على الشركات الروسيَّة في محاولة منهم لكسب أوكرانيا وضمّها للاتحاد الأوروبي، الشرارة الأولى، كما تمَّ تبيانها كانت منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ومحاولة كييف الانفصال عن روسيا، لكنْ بعد ذلك اشتدَّ الأمر وأصبحت الحرب مشروعة بالنسبة لروسيا خصوصاً بعد إعلان السلطات الأوكرانيَّة الانضمام لحلف شمال الأطلسي بعد أنْ قامت بإجراء استفتاءٍ لغرض الانضمام لأوروبا والشراكة المستدامة مع الاتحاد الأوروبي.
على ما يبدو إنَّ السياسة الأميركيَّة الحاليَّة اختلفت بالشكل والمضمون عن سياسة الرئيس السابق جو بايدن، حيث كان بايدن دائماً ما يدعو إلى التصعيد، ودائماً ما كان يموّل أوكرانيا بالذخائر والمعدات العسكريَّة في محاولة منه لإذكاء الحرب والسعي لإطالة أمدها لغرض إيقاع أقصى العقوبات على روسيا بتأييدٍ من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولــي، بينما الإدارة الحاليَّة متمثلة بالرئيس ترامب حاولت منذ بدايتها لملمة الوضع متداركة العقوبات الوخيمة التي ستطرأ إذا ما استمرت الحرب وبالتالي استنزاف الأموال ومزيدٍ من الجهد من دون أي جدوى، عقليَّة ترامب الاقتصاديَّة جعلت من الحرب الروسيَّة ـــ الأوكرانيَّة في طريقها الى الحل في محاولة منه لتذويب الجليد المتراكم منذ عقود، لأنَّه يعلم تماماً بأنَّ روسيا تلك الدولة المؤسساتيَّة هي من تقود المواجهة العالميَّة ضد العولمة الأميركيَّة أحاديَّة القطب، إذ دائماً ما كانت روسيا تؤيد تعدد الأقطاب في محاولة منها لجذب أكبر عددٍ ممكنٍ من الدول وإقامة شراكات استراتيجيَّة لا سيما مع القوى المركزيَّة المناهضة لسياسة الولايات المتحدة كالصين والهند وإيران.
الحسابات الاقتصاديَّة والأمور الجيوسياسيَّة، أكثر ما تؤرق الاتحاد الأوروبي في حال انتصرت روسيا بإنهاء الحرب، لأنه وفي حال إنهائها وفق معاهدات واتفاقيات قد تؤدي إلى تخلي أوكرانيا عن أجزاءٍ من أراضيها كما هو متوقع، وبالتالي ستفقد الدول الغربيَّة مواردَ مهمَّة من المعادن التي تدخل في صناعة الرقائق الالكترونيَّة المتقدمة والتي تدعم الصناعات التكنولوجيَّة.
على ما يبدو أنَّ الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا في طريقها للحل على الأقل مؤقتاً أو هدنة محتملة خصوصاً بعد دخول الوسطاء الغربيين والعرب على خط الوساطة وكذلك طلب ترامب من الرئيس الأوكراني خلال لقائه الأخير السعي لإنهاء الحرب التي طالت من غير ذي جدوى، التمهيد المعلن عنه في وسائل الإعلام نقلاً عن الكرملين والبيت الأبيض عن أنَّه يوجد لقاءٌ مرتقبٌ بين الرئيسين فلاديمير بوتين وترامب أصبح أقرب للواقع من أي وقتٍ مضى، غايته الوصول إلى حلٍ نهائيٍ لإنهاء الحرب، خصوصاً أنَّ الطرفين يتبنيان مواقف متشابهة لعددٍ من القضايا ومن ضمنها معارضة الدولتين دخول أوكرانيا لحلف الشمال الاطلســي، فضلاً عن ملف المساعدات الماليَّة والعسكريَّة لأوكرانيا.