Trending

النظام التربوي وإشكالية الإصلاح والتجديد

كتب ياسين العطواني: تُشكّل التحولات الفكرية والعلمية، التي يشهدها العالم اليوم، لاسيما في مجال التفجر المعرفي، تحدٍ كبير أمام الشعوب والأمم لمواكبة طبيعة هذه التحولات والتغيرات غير الاعتيادية، وهي من الأهمية والخطورة، بحيث باتت تفرض نفسها كتحديات جديدة ومتسارعة في مواجهة التنمية المستدامة لأي بلد يحاول الخروج من قوقعة الماضي، والتطلع إلى المستقبل.

 

الأمر الذي جعل من عملية الإصلاح التربوي، ضرورة تاريخية ملحة تُملي على الدول المتحضرة العمل المتواصل والتفاني في بناء أنظمتها التربوية لمسايرة التحديات المصيرية القائمة، ومدى قدرتها على تلبية احتياجات العصر، وتجسيد طموحات الإنسان المعاصر، في عصر أصبح قانونه الثابت هو التغير الدائم والمستمر.

وكحصيلة لهذه التحولات نشهد اليوم ميلاد نظريات عديدة، تبحث في ماهية الأنظمة التعليمية، وفي وظيفتها وجدواها، وفي إمكانية تطويرها، لتلحق بركب الحضارة الإنسانية، ويُفترض أن العراق كبلد ليس بعيداً عن هذه الأجواء المعرفية المحيطة به، في تحديث وإصلاح نظامه التربوي والتعليمي، بعد أن بات هذا الإصلاح والتجديد ضرورة تاريخية مُلحة.

ومن بداهة القول، إنه لا يمكن لأية عملية إصلاح أن ترى النور، ومهما كانت طبيعة هذا الإصلاح، ما لم تستند إلى أسس ومبادئ محددة، حتى تأتي بالنتائج التي وضعت من أجلها تلك الأسس والمبادئ، وإذا كانت ثمة أولويات إصلاحية تسبق غيرها، فلا نعتقد من هو أكثر أولوية وأهمية من قطاع التربية والتعليم، على اعتبار أن إصلاح النظام التربوي، يمثل نقطة الارتكاز لأي بناء متوقع حصوله في البلاد.

ولا شك أن هذا القطاع الحيوي كان ولا يزال يعاني من الكثير من المعوقات والأزمات، وأن الكثير من هذه المعوقات متأتٍ من الأوضاع، التي كانت سائدة في عهد النظام المباد، عندما تعرض النظام التربوي خلال تلك الفترة إلى تخريب منظم كانت نتائجه تدنياً مريعاً، أصابت جميع مفاصل قطاع التربية والتعليم، فقد سعى ذلك النظام إلى تحويل المؤسسات التعليمية إلى أداة لتنفيذ مشروعه السياسي، من خلال برامج عمل وسياسات أُقرت ونُفذت بمعزل عن المؤسسات التعليمية، وهذا الأمر الخطير بحاجة إلى وقفة جادة وجهود مضنية، لتصفية آثار المرحلة السابقة وإصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها.

إن النظام التعليمي يعدُّ أحد المكونات الأساسية التي ينبغي أن تنطلق منها أية مبادرة جادة لإصلاح النظام التربوي، بوصفها الوثيقة التي تتضمن أسس التعليم ومنطلقاته وأهدافه العامة، ويتم في ضوئها توجيه سائر العملية التعليمية، وما يصاحبها من أنشطة وممارسات في الميدان التربوي، فالإصلاحات الحقيقية في أي نظام تعليمي هي تلك الإصلاحات التي تشمل شكل ومحتوى الأنشطة التربوية، التي تتم داخله، ونمط العلاقات البنيوية، الثقافية والاجتماعية، التي تتم بها ومن خلالها العملية التربوية.

وقد تختلف تجارب الدول في تطبيق خطط الإصلاح التربوي والتعليمي، وتتفاوت درجة نجاحها في إحداث هذا التغيير المنشود، وبالتأكيد فإن نجاح هذه الخطط قد يتوقف على العديد من العوامل المتداخلة، ولعل أهمها الإرادة السياسية الواعية، على اعتبار أن مشاريع الإصلاح تبدأ من القرارات السياسية، التي تصدر من جهات عليا، وهي التي تعطي هذه المشاريع صفة الرسمية والمشروعية، وتوفر لها الدعم المادي والمعنوي اللازم لإنجاحها، كما أن هذا الدعم يجعل من قضية الإصلاح التربوي قضية وطنية ومسؤولية جماعية.

وبما أن التعليم هو وسيلة لتثبيت اتجاهات وقيم، ومحاولة تعديل سلوك اجتماعي، وخلق مهارات في المجالات المختلفة، فإن الأمر يفترض أن تكون المؤسسات التعليمية أكثر عرضة للنقد والتساؤل، وإعادة النظر من غيرها، نظراً لارتباطها بمستقبل الأجيال.

ومن أجل ممارسة التربية على أسس علمية سليمة، كان لا بد من التخطيط لها، سواء على المدى القريب أو البعيد، وهذا يعني وضع استراتيجية تربوية يتوافر فيها الشمول والتكامل والمرونة، وتُعنى بالمسارات الرئيسة للعمل، وتلتمس سندها من الفكر، وتراعي فيه الواقع، لتحركه نحو أهداف المستقبل، وتكون قابلة للتفصيل بالخطط والبرامج، فأي تدهور أو انتكاسة يتعرض له النظام التربوي سوف ينعكس سلباً على جميع مرافق ومؤسسات الدولة، وبالتالي التأثير السلبي على مستقبل البلاد وآفاق تطورها.

لذا فان الخطوات الإصلاحية التي يجب أن تتخذ، لا بدَّ أن تكون على درجة كبيرة من التخطيط السليم، والأهداف الواضحة، ووفق رؤية فلسفية تربوية محددة، مع تعبئة كل الطاقات المادية والفكرية، من أجل النهوض بهذا المرفق الحيوي.

 

 

Back to top button