’جدران ناطقة’ في مدينة بومبي

من جديد تكشف مدينة بومبي المطمورة برماد البركان منذ ألفي عام المزيد عن أسرارها، وهذه المرة عربة حصان فاخرة (تعادل أفخر السيارات في عصرنا الحالي) ولوحات أبت أن تتلاشى مع الزمن لتنقل لنا مشاهد حية من حياة المدينة المثيرة للجدل أو “الأسوأ حظاً في التاريخ”.

لو كان للحيطان أن تنطق، لفعلت ما فعلته حيطان فلل وقصور المدينة الإيطالية.

لوحات جدارية ومشاهد من مدينة بومبي

مشاهد من جدران منزل المدعو Ceii في بومبي لحيوانات محاصرة في المعركة، إلى جانب قطة كبيرة على وشك الانقضاض على زوج من الكباش بالإضافة إلى غزال ينظر للوراء في رعب بينما يطارده خنزير بري.

في الجوار يستعد الصيادون الأفارقة الذين يقفون في ظل مبانٍ على الطراز المصري الفرعوني لاصطياد فرس النهر والتماسيح على ضفاف النيل.

بعد أكثر من 2000 عام على رسمها، استعادت هذه اللوحات الجدارية المذهلة أخيراً مجدها، بغض النظر عن الفنان الذي رسمها، وقدمت لمحة أو مشهداً لطقوس الصيد المتعارف عليها.

إذ أعلنت الحديقة الأثرية في مدينة بومبي على موقعها الرسمي، وهي هيئة ثقافية إيطالية مستقلة تأسست للحفاظ على الاستخدام العام للمدينة الرومانية المدمرة وتعزيزها أن الخبراء استخدموا الليزر لتنظيف اللوحات قبل تنقيح تفاصيلها الباهتة بعناية.

ورجحت أن يكون منزل Ceii مملوكاً للقاضي لوشيوس تشي سيكوندوس Lucius Ceius Secundus، وقد تم حفره لأول مرة بين عامي 1913 و1914.

وبحسب ما أوضحه الخبراء، فإن هذا النوع من المنازل المسمى دوموس أو منزل الأسرة الواحدة، هو أحد المنازل القليلة الباقية من بومبي والتي تعود إلى أواخر العصر السامني، خلال القرن الثاني قبل الميلاد.

وعلى الرغم من الضرر الذي بدا على اللوحات الجدارية، كتبت خبيرة الآثار جوليا فيوري لمجلة Artsy الأثرية في عام 2018 قائلةً إن اللوحات الجدارية لبومبي في الواقع محفوظة بشكل أفضل من معظمها.

وأضافت: “عندما ثار بركان جبل فيزوف في عام 79 بعد الميلاد، ودفن المدينة في الرماد البركاني، قام عن غير قصد بحماية الأعمال الفنية الحساسة للضوء من العناصر لعدة قرون”.

عربة فاخرة للاستعراض

أما العربة المزخرفة التي تم العثور عليها، فهي ترتكز على أربع عجلات من الحديد والبرونز والخشب، ويعتقد علماء الآثار أنها كانت تستخدم في المواكب.

وتم العثور عليها أثناء عمليات التنقيب في فيلا رومانية أثرية شمال أسوار المدينة القديمة،  ولا تزال حتى الآن تحمل بصمات مواد عضوية مثل الحبال والزخارف الزهرية، وعُثر عليها في مدخل الفيلا مقابل الإسطبلات حيث تم العثور على بقايا ثلاثة خيول أيضاً.

ساعدت الجدران المنهارة وسقف الفيلا في حماية العربة من لصوص الآثار،  الذين حفروا أنفاقاً في الموقع الذي كاد يصل إلى العربة، وفقاً لمسؤولين في حديقة بومبي الأثرية.

ويعتقد الخبراء أن العربة المزينة بزخارف جميلة لم تكن للاستخدام اليومي أو للنقل الزراعي، ولكنها ظهرت في الاحتفالات والمسيرات أو المواكب المجتمعية.

وقال البيان الذي وزعته إدارة الحديقة إن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها العثور على هذا النوع من المركبات الاحتفالية في إيطاليا.

ويمكن مشاهدة أشكال عمود ومنصة العربة، المصنوعة من الخشب الذي تعفن منذ فترة طويلة، وبصمة الحبال عن طريق حقن الجص في الفراغات المتبقية في الرماد.

البركان المدمر

من الجدير ذكره أن مدينة بومبي القديمة بالقرب من نابولي دُمرت بالكامل عندما اندلع بركان فيزوف القريب في عام 79 بعد الميلاد.

غطت تدفقات الحمم البركانية من الغاز المحموم جميع أنحاء المستوطنات المحيطة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 30000 ودفن المدينة تحت ما يصل إلى 3 أمتار من الرماد.

تم اكتشاف أجزاء من المدينة المدفونة في أواخر القرن السادس عشر، وبدأت الحفريات العلمية هناك في القرن الثامن عشر.

في القرن التاسع عشر طور علماء الآثار طريقة لحقن الجص في الفراغات التي خلفتها جثث الموتى في طبقة الرماد- معظمها من البشر، ولكن من المعروف أيضاً أنهم عثروا على حيوانات مثل الكلاب والأحصنة.

وتعتبر قصة بومبي مثالاً على غضب الطبيعة، إذ تلقت المدينة التي ظنت نفسها متقدمة وراقية مصيراً مدمراً ربما في غضون ساعات.

وتوصف مدينة بومبي بـ”المشؤومة”، أو “الأسوأ حظاً في التاريخ”؛ إذ راح سكانها ضحية البركان النشط الوحيد في أوروبا.

كما توصف بالمدينة الفاسقة؛ نظراً لانتشار بيوت الدعارة فيها والرسوم الجدارية ذات الطبيعة الجنسية.

فقد أطلق ثوران البركان مزيجاً قاتلاً من غاز الكبريت السام ومئات الأطنان من الرماد البركاني، التي دفنت مدن بومبي وأوبلونتيس وستابيا بين عشية وضحاها.

ولأن الرماد غطَّى كلَّ مَا ومَن في المدينة بقي كل شيء على حالته.

وفي أثناء التنقيب تم الكشف عن الجثث على سطح الأرض، وكانت المفاجأة أنهم ظهروا على هيئاتهم وأشكالهم نفسها، بعد أن حلَّ الغبار البركاني محلَّ الخلايا الحية.

ورغم الثراء الذي كانت تتمتع به المدينة والذي تكشفه أعمال فنية يعود تاريخها إلى 2000 عام، فإنها اندثرت كلياً بين عشية وضحاها.

وتحولت المدينة التي بقيت آثارها لتروي مصير سكانها المأساوي بوضوح لا مثيل له، إلى المكان الأكثر جذباً للسياح في إيطاليا بعد الكولوسيوم، إذ استقبلت في العام 2019 نحو 4 ملايين زائر.

المصدر: عربي بوست

زر الذهاب إلى الأعلى