كتبت رؤى زهير شكر: العنف الأسري
بين مدة وأخرى ينشر موقع مجلس القضاء الأعلى في العراق آخر إحصائيات القضاء في ما يخص أحكام الطلاق وأعدادها، وتتباين ردود الفعل وتنشط في السوشال ميديا بين مندد ومستغرب لهول الأرقام المنشورة.
إذ تشير الإحصائيات الرسمية لآلاف الحالات التي تتوافد على المحاكم العراقية شهرياً في البلاد إذ تتجاوز الثلاثين ألف حالة لنصف عام فقط في مختلف المحافظات، بينما تعدّ نسب الطلاق هذه لنصف عام واحدة من أعلى نسب الطلاق في العالم، ما يعني أنَّ هناك حالة طلاق واحدة في البلاد كل أربع دقائق والأرقام الرسمية تقول في التفاصيل إن ما يقدّربـ20 % من حالات الزواج في البلاد تنتهي بالطلاق خلال السنوات الثلاث الأولى من الزواج.
هذا وأنَّ معظم حالات الطلاق التي يُعلن عنها في الاحصائيات الرسمية هي تلك التي تتم بشكل رسمي, وتعد ثلث الأرقام الفعلية التي تحدث في الواقع المجتمعي، لأنَّ هناك أعداداً مهولة -من حالات الزواج وفي ما بعد الطلاق- التي تجري خارج الأطر الرسمية. تحت عباءة شبكات التزويج الدينية والاجتماعية التي ينفذ الجانب الشرعي من عملية الزواج وفيها تؤجل الإجراءات الرسمية لوقتٍ لاحق.
ويعود ارتفاع حالات الطلاق لعوامل عدّة، منها العامة ومنها الخاصة كون أن ارتفاع حالات الانفصال يعدّ أمراً طبيعياً جرّاء تراكم الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والصحية في البلاد، خلال الأعوام القليلة الماضية، لاسيما في ظل تفشي فيروس كورونا، وتبعاته الاقتصادية والنفسية الكارثية على الاسرة العراقية.
ويعزو مجلس القضاء الأعلى ارتفاع حالات الطلاق إلى أسباب رئيسة هي حالات العنف الاسري، والزيجات القسرية، والزيجات المبكرة للقاصرات، فالزيجات القسرية وزيجات القصّر كلها تتم خارج إطار المحاكم، ولهذا فإن حالات الطلاق التي تتم خارج تلك المحاكم، هي ضعف عدد تلك التي تتم ضمن المحاكم العراقية.
التشريع العراقي يلزم الأزواج المطلقين بتوفير سكن ملائم (لطليقاتهم) وأطفالهم لمدة ثلاث سنوات، وهي مدة مؤقتة لحماية النساء المطلقات، كما يلزم الأزواج بدفع نفقة شهرية للأطفال (وهي عبارة عن مبلغ مالي يخصّص من راتب الزوج أو مكسبه) لتأمين حياة كريمة لهم ويحفظهم من التشرد والضياع. مع إلزامه التام بدفع المبلغ في المحكمة لضمان حقوق الطفل.
وتعد النفقة من الآثار المترتّبة على عقد الزواج سواء عند عقده أم عند انحلاله، وتتميز النفقة بطابعها الإنساني للمرأة على زوجها شرعا وقانونا كما أنَّ النفقة الشهرية تشمل نفقة الطعام والكسوة والسكن ولوازمها وأجرة التطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها معين.
كما تعدّ النفقة الزوجية واجبة على الزوج في حالتي اليسر أو العسر ما دام قادرا على الكسب لأنها من حقها الشرعي والقانوني حتى إذا كانت موظفة تتقاضى راتبا شهريا على أن يراعي القاضي الحاكم بالتطليق عند تقدير النفقة الزوجية حالة الزوجين أي إن النفقة الزوجية تقدر حسب مقدرة الزوج المالية وبما يتناسب مع حالة ومكانة الزوجة الاجتماعية والاقتصادية
بينما تناسى القانون العراقي ومشرعوه غياب الأب المتعمّد وعدم دفعه النفقة الشهرية ما سيعرض الأم إلى الضياع، ذلك أن في حال عدم الدفع بإمكان الزوجة المطلقة رفع دعوى قضائية وهذه بحد ذاتها تأخذ أشهرا للمضي فيها وان تمت سيتم القاء القبض على الزوج من دون الدفع ويبقى الأطفال الذين هم أكبر ضحايا كارثة الطلاق، وبهذا تفرز حالات الطلاق قنابل موقوتة، لعل من أبرز نماذجها أطفال الشوارع، الذين هم في غالبهم ضحايا نتاج طلاق آبائهم، إذ يقعون بسهولة ويسر في فخاخ العصابات الإجرامية للتسول والدعارة والسرقة، وبيع الأعضاء البشرية والمتاجرة بهم وغيرها.
ومن هنا ترتفع الأصوات المطالبة بتفعيل قانون حماية الطفل وتشريع مواد قانونية أكثر شدةً تلزم الزوج بدفع النفقة في وقتها المقرّر ومن دون أي تأخير وبخلافه يتعرض الزوج لأقصى العقوبات كون بقاء الأطفال دون إعالةٍ أو نقص يُعرضهم لشتى أنواع الأذى.